دينه إلا (هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ) أى مطبوعا على قلبه ممنوع الألطاف (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي) أى لا يلطف بالقوم الثابتين على الظلم الذين اللاطف بهم عابث. وقوله بغير هدى في موضع الحال ، يعنى : مخذولا مخلى بينه وبين هواه.
(وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(٥١)
قرئ (وَصَّلْنا) بالتشديد والتخفيف. والمعنى : أن القرآن أتاهم متتابعا متواصلا ، وعدا ووعيدا ، وقصصا وعبرا ، ومواعظ ونصائح : إرادة أن يتذكروا فيفلحوا. أو نزل عليهم نزولا متصلا بعضه في أثر بعض ، كقوله (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ).
(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ)(٥٢)
نزلت في مؤمنى أهل الكتاب وعن رفاعة بن قرظة : نزلت في عشرة أنا أحدهم. وقيل : في أربعين من مسلمي أهل الإنجيل : اثنان وثلاثون جاءوا مع جعفر من أرض الحبشة ، وثمانية من الشام. والضمير في (مِنْ قَبْلِهِ) للقرآن.
(وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ)(٥٣)
فإن قلت : أى فرق بين الاستئنافين إنه وإنا؟ قلت : الأوّل تعليل للإيمان به ، لأن كونه حقا من الله حقيق بأن يؤمن به. والثاني : بيان لقوله (آمَنَّا بِهِ) لأنه يحتمل أن يكون إيمانا قريب العهد وبعيده ، فأخبروا أن إيمانهم به متقادم ، لأنّ آباءهم القدماء قرءوا في الكتب الأول ذكره وأبناءهم من بعدهم (مِنْ قَبْلِهِ) من قبل وجوده ونزوله (مُسْلِمِينَ) كائنين على دين الإسلام ، لأن الإسلام صفة كل موحد مصدّق للوحى.
(أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)(٥٤)
(بِما صَبَرُوا) بصبرهم على الإيمان بالتوراة والإيمان بالقرآن. أو بصبرهم على الإيمان بالقرآن قبل نزوله وبعد نزوله. أو بصبرهم على أذى المشركين وأهل الكتاب. ونحوه (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) ، (بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) بالطاعة المعصية المتقدمة. أو بالحلم الأذى.
(وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ)(٥٥)