موسى عليه السلام (بِما أُوتِيَ مُوسى) وعن الحسن رحمه الله : قد كان للعرب أصل في أيام موسى عليه السلام ، فمعناه على هذا : أو لم يكفر آباؤهم (قالُوا) في موسى وهرون (سِحْرانِ تَظاهَرا) أى تعاونا. وقرئ إظهارا على الإدغام. وسحران ، بمعنى : ذوا سحر. أو جعلوهما سحرين مبالغة في وصفهما بالسحر. أو أرادوا نوعان من السحر (بِكُلٍ) بكل واحد منهما. فإن قلت : بم علقت قوله من قبل في هذا التفسير؟ قلت : بأ ولم يكفروا ، ولي أن أعلقه بأوتي ، فينقلب المعنى إلى أن أهل مكة الذين قالوا هذه المقالة كما كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن فقد كفروا بموسى عليه السلام وبالتوراة ، وقالوا في موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام : ساحران تظاهرا. أو في الكتابين : سحران تظاهرا ، وذلك حين بعثوا الرهط إلى رؤساء اليهود بالمدينة يسألونهم عن محمد صلى الله عليه وسلم ، فأخبروهم أنه نعته وصفته ، وأنه في كتابهم ، فرجع الرهط إلى قريش فأخبروهم بقول اليهود ، فقالوا عند ذلك : ساحران تظاهرا.
(قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٤٩)
(هُوَ أَهْدى مِنْهُما) مما أنزل على موسى عليه السلام ومما أنزل علىّ. هذا الشرط من نحو ما ذكرت أنه شرط المدل بالأمر المتحقق لصحته ، لأنّ امتناع الإتيان بكتاب أهدى من الكتابين أمر معلوم متحقق لا مجال فيه للشكّ. ويجوز أن يقصد بحرف الشكّ : التهكم بهم.
(فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(٥٠)
فإن قلت : ما الفرق بين فعل الاستجابة في الآية ، وبينه في قوله :
فلم يستجبه عند ذاك مجيب (١)
حيث عدّى بغير اللام؟ قلت : هذا الفعل يتعدّى إلى الدعاء بنفسه وإلى الداعي باللام ، ويحذف الدعاء إذا عدّى إلى الداعي في الغالب ، فيقال ، استجاب الله دعاءه أو استجابة له ، ولا يكاد يقال : استجاب له دعاءه. وأما البيت فمعناه : فلم يستجب دعاءه ، على حذف المضاف. فإن قلت : فالاستجابة تقتضي دعاء ولا دعاء هاهنا. قلت : قوله فأتوا بكتاب أمر بالإتيان والأمر بعث على الفعل ودعاء إليه ، فكأنه قال : فإن لم يستجيبوا دعاءك إلى الإتيان بالكتاب الأهدى ، فاعلم أنهم قد ألزموا ولم تبق لهم حجة إلا اتباع الهوى ، ثم قال (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ) لا يتبع في
__________________
(١) قوله «فلم يستجبه عند ذاك مجيب» صدره : وداع دعا يا من يجيب إلى الندى اه عليان. قلت : وقد تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٤٥٦ فراجعه إن شئت اه مصححه.