أى : إن كانت مثلا في الصغر والقماءة كحبة الخردل ، فكانت مع صغرها في أخفى موضع وأحرزه كجوف الصخرة (١) أو حيث كانت في العالم العلوي أو السفلى (يَأْتِ بِهَا اللهُ) يوم القيامة فيحاسب بها عاملها (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ) يتوصل علمه إلى كل خفى (خَبِيرٌ) عالم بكنهه. وعن قتادة : لطيف باستخراجها ، خبير بمستقرّها. ومن قرأ بالرفع : كان ضمير القصة ، وإنما أنث المثقال لإضافته إلى الحبة ، كما قال :
كما شرقت صدر القناة من الدّم (٢)
وروى أنّ ابن لقمان قال له : أرأيت الحبة تكون في مقل البحر ـ أى : في مغاصه ـ يعلمها الله؟ فقال : إنّ الله يعلم أصغر الأشياء في أخفى الأمكنة ، لأنّ الحبة في الصخرة أخفى منها في الماء. وقيل : الصخرة هي التي تحت الأرض ، وهي السجين يكتب فيها أعمال الكفار. وقرئ : فتكن ، بكسر الكاف. من وكن الطائر يكن : إذا استقر في وكنته ، وهي مقره ليلا.
(يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)(١٧)
(وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) يجوز أن يكون عاما في كل ما يصيبه من المحن ، وأن يكون خاصا بما يصيبه فيما أمر به من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر : من أذى من يبعثهم على الخير وينكر عليهم الشر (إِنَّ ذلِكَ) مما عزمه الله من الأمور ، أى : قطعه قطع إيجاب والزام. ومنه الحديث «لا صيام لمن لم يعزم الصيام من الليل (٣)» أى لم يقطعه بالنية : ألا ترى إلى قوله عليه السلام «لمن لم يبيت السيام» (٤) ومنه «إنّ الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن يؤخذ بعزائمه» (٥)
__________________
(١) قال محمود : «هذا من البديع الذي يسمى التتميم» قال أحمد : يعنى أنه تمم خلفاءها في نفسها بخفاء مكانها من الصخرة ، وهو من وادى قولها كأنه علم في رأسه نار.
(٢) تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٣٩٥ فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٣) تقدم في البقرة.
(٤) تقدم أيضا.
(٥) أخرجه ابن أبى شيبة وابن عدى من طريق أبى سلمة عن أبى هريرة «أن رجلا قال يا رسول الله ، أقصر الصلاة في سفري؟ قال : نعم ، إن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن يؤخذ بفريضته» وفيه عمر بن عبد الله بن أبى خشعم اليمامي وهو منكر الحديث : قاله ابن عدى ، وأخرجه أيضا من طريق سعد بن سعيد بن أبى سعيد ، حدثني أخى عبد الله عن أبيه. أن أبى هريرة مرفوعا نحوه ، ورواه ابن حبان وأحمد والبزار ، وأبو يعلى من رواية حرب ابن قيس عن نافع عن ابن عمر بلفظ «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه» وفي الباب عن ابن عباس. أخرجه ابن حبان والطبراني وأبو نعيم في الحلية من رواية هشام بن حسان عن عكرمة عنه بلفظ ابن عمر ـ