وقولهم : عزمة من عزمات ربنا. ومنه : عزمات الملوك. وذلك أن يقول الملك لبعض من تحت يده : عزمت عليك إلا فعلت كذا ، إذا قال ذلك لم يكن للمعزوم عليه بدّ من فعله ولا مندوحة في تركه. وحقيقته : أنه من تسمية المفعول بالمصدر ، وأصله من معزومات الأمور ، أى : مقطوعاتها ومفروضاتها. ويجوز أن يكون مصدرا في معنى الفاعل. أصله : من عازمات الأمور ، من قوله تعالى (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ) كقولك : جد الأمر ، وصدق القتال. وناهيك بهذه الآية مؤذنة بقدم هذه الطاعات ، وأنها كانت مأمورا بها في سائر الأمم ، وأنّ الصلاة لم تزل عظيمة الشأن ، سابقة القدم على ما سواها ، موصى بها في الأديان كلها.
(وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)(١٩)
تصاعر ، وتصعر : بالتشديد والتخفيف. يقال : أصعر خدّه ، وصعره ، وصاعره : كقولك أعلاه وعلاه وعالاه : بمعنى. والصعر والصيد : داء يصيب البعير يلوى منه عنقه. والمعنى : أقبل على الناس بوجهك تواضعا ، ولا تولهم شق وجهك وصفحته ، كما يفعل المتكبرون. أراد : (وَلا تَمْشِ) تمرح (مَرَحاً) أو أوقع المصدر موقع الحال بمعنى مرحا. ويجوز أن يريد : ولا تمش لأجل المرح والأشر ، أى لا يكن غرضك في المشي البطالة والأشر كما يمشى كثير من الناس لذلك ، لا لكفاية مهم دينى أو دنيوى. ونحوه قوله تعالى (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ). والمختال : مقابل للماشي مرحا ، وكذلك الفخور للمصعر خدّه كبرا (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) واعدل فيه حتى يكون مشيا بين مشيين : لا تدب دبيب المتماوتين ، ولا تثب وثيب الشطار. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سرعة المشي نذهب بهاء المؤمن» (١) وأما قول
__________________
ـ وعن ابن مسعود أخرجه الطبراني والعقيلي وأبو نعيم من رواية معمر بن عبد الله الأنصارى عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن علقمة عنه تفرد برفعه معمر ، ووقفه غندر وروح بن عبادة وغيرهما عن شعبة. أخرجه ابن أبى شيبة وغيره. وعن عائشة : أخرجه ابن عدى من رواية الحكم بن عبد الله الأيلى عن القاسم عن عائشة ومن رواية عمر بن عبيد البصري عن هشام عن أبيه عنها والحكم وعمر ضعيفان. وأخرجه الطبراني في الأوسط من طريق إسماعيل بن عيسى العطار ، حدثنا عمر بن عبد الجبار ، حدثنا عبد الله بن زيد بن آدم عن أبى الدرداء وأبى أمامة وواثلة وأنس به وقال : لا يروى إلا بهذا الاسناد تفرد به إسماعيل. قلت : والاسناد مجهول. قوله «وقولهم عزمة من عزمات ربنا» هذا طرف من حديث أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد والحاكم والبيهقي من رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ، في أثناء حديثه قال فيه «ومن منعها يعنى الزكاة فانا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا ليس لآل محمد منها شيء وإسناده حسن.
(١) جاء من حديث أبى هريرة وأبى سعيد وابن عمر ، وأخرجه ابن عدى من رواية عمار بن مطرد وهو لتروك ، وقد تابعه الوليد بن سلمة وهو ـ