(وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢) وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(١٤)
(وَلَوْ تَرى) يجوز أن يكون خطابا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه وجهان : أن يراد به التمني ، كأنه قال : وليتك ترى ، كقوله صلى الله عليه وسلم للمغيرة : «لو نظرت إليها» (١) والتمني لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما كان الترجي له في (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) لأنه تجرع منهم الغصص ومن عداوتهم وضرارهم ، فجعل الله له تمنى أن يراهم على تلك الصفة الفظيعة من الحياء والخزي والغم ليشمت بهم ، وأن تكون لو الامتناعية قد حذف جوابها ، وهو : لرأيت أمرا فظيعا. أو : لرأيت أسوأ حال ترى. ويجوز : أن يخاطب به كل أحد ، كما تقول : فلان لئيم ، إن أكرمته أهانك ، وإن أحسنت إليه أساء إليك ، فلا تريد به مخاطبا بعينه ، فكأنك قلت : إن أكرم وإن أحسن إليه ، ولو وإذ : كلاهما للمضى ، وإنما جاز ذلك ، لأن المترقب من الله بمنزلة الموجود المقطوع به في تحققه ، ولا يقدر لترى ما يتناوله ، كأنه قيل : ولو تكون منك الرؤية ، وإذ ظرف له. يستغيثون بقولهم (رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا) فلا يغاثون ، يعنى : أبصرنا صدق وعدك ووعيدك وسمعنا منك تصديق رسلك. أو كنا عميا وصما فأبصرنا وسمعنا (فَارْجِعْنا) هي الرجعة إلى الدنيا (لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) على طريق الإلجاء والقسر ، ولكننا بنينا الأمر على الاختيار (٢) دون الاضطرار ، فاستحبوا العمى على الهدى ، فحقت كلمة العذاب على أهل العمى دون البصراء. ألا ترى إلى ما عقبه به من قوله (فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ) فجعل ذوق العذاب نتيجة فعلهم : من نسيان العاقبة ،
__________________
(١) هذا طرف من حديث أخرجه الترمذي ، والنسائي وابن ماجة وابن أبى شيبة وابن حبان. والحاكم. وأحمد والبزار. وغيرهم من حديث المغيرة «أنه خطب امرأة فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم انظر إليها فانه أحرى أن يؤدم بينكما» ورواه أبو عبيد في الغريب بلفظ أنه قال للمغيرة وقد خطب امرأة «لو نظرت إليها» الحديث.
(٢) قوله «ولكننا بنينا الأمر على الاختيار» لما أوجب المعتزلة على الله الصلاح قالوا : إنه قد شاء الهدى للكل ، ولكن مشيئة تخيير ، لا مشيئة إجبار ، فلذا لم يهتد الكل بل البعض ، ولو شاء مشيئة قسر لاهتدى الكل. وأهل السنة لم يوجبوا على الله شيئا ، وقالوا : كل ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، خيرا كان أو شرا. واستلزام الارادة لوقوع المراد لا يستلزم القسر والإجبار للعباد ، لما لهم من الكسب في أفعالهم ، وإن كانت في الحقيقة مخلوقة لله تعالى ، كما تقرر في علم التوحيد. (ع)