وقلة الفكر فيها ، وترك الاستعداد لها. والمراد بالنسيان : خلاف التذكر ، يعنى : أن الانهماك في الشهوات أذهلكم وألهاكم عن تذكر العاقبة وسلط عليكم نسيانها ، ثم قال (إِنَّا نَسِيناكُمْ) على المقابلة ، أى : جازيناكم جزاء نسيانكم. وقيل : هو بمعنى الترك ، أى : تركتم الفكر في العاقبة ، فتركناكم من الرحمة. وفي استئناف قوله إنا نسيناكم وبناء الفعل على إن واسمها تشديد في الانتقام منهم والمعنى فذوقوا هذا أى ما أنتم فيه من نكس الرءوس والخزي والغم بسبب نسيان اللقاء ، وذوقوا العذاب المخلد في جهنم بسبب ما عملتم (١) من المعاصي والكبائر الموبقة (٢).
(إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)(١٧)
(إِذا ذُكِّرُوا بِها) أى وعظوا : سجدوا تواضعا لله وخشوعا ، وشكرا على ما رزقهم من الإسلام (وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) ونزهوا الله من نسبة القبائح إليه ، وأثنوا عليه حامدين له (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) كما يفعل من يصر مستكبرا كأن لم يسمعها ، ومثله قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا): (تَتَجافى) ترتفع وتتنحى (عَنِ الْمَضاجِعِ) عن الفرش ومواضع النوم ، داعين ربهم عابدين له ، لأجل خوفهم من سخطه وطمعهم في رحمته ، وهم المتهجدون. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسيرها «قيام العبد من الليل» (٣) وعن الحسن رضى الله عنه : أنه التهجد. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة جاء مناد ينادى بصوت يسمع الخلائق كلهم : سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم. ثم يرجع فينادى : ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع ، فيقومون وهم قليل. ثم يرجع فينادى : ليقم الذين كانوا يحمدون الله في البأساء
__________________
(١) قال محمود : «معناه بما كنتم تعملون من الكفر والكبائر الموبقة» قال أحمد : قد تمهد من مذاهب أهل السنة أن المقتضى لاستحقاق الخلود في العذاب هو الكفر خاصة. وأما ما دونه من الكبائر فلا يوجب خلودا ، والمسألة سمعية ، وأدلتها من الكتاب والسنة قطعية ، خلافا للقدرية.
(٢) قوله «والكبائر الموبقة» أى : المهلكة. (ع)
(٣) أخرجه أحمد وابن أبى شيبة وإسحاق والحاكم من رواية أبى وائل عن معاذ في أثناء حديث مرفوع قال «وصلاة الرجل في جوف الليل ثم قرأ : تتجافى جنوبهم عن المضاجع»