إلا يسيرا حتى نزلت. وقيل : إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطعم ومعه بعض أصحابه ، فأصابت يد رجل منهم يد عائشة ، فكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، (١) فنزلت آية الحجاب. وذكر أنّ بعضهم قال : أننهى أن نكلم بنات عمنا إلا من وراء حجاب ، لئن مات محمد لأتزوجن عائشة. فأعلم الله أن ذلك محرم (٢) (وَما كانَ لَكُمْ) وما صح لكم إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نكاح أزواجه من بعده. وسمى نكاحهن بعده عظيما عنده ، وهو من أعلام تعظيم الله لرسوله وإيجاب حرمته حيا وميتا ، وإعلامه بذلك مما طيب به نفسه وسر قلبه واستغزر شكره. فإن نحو هذا مما يحدث الرجل به نفسه ولا يخلى منه فكره. ومن الناس من تفرط غيرته على حرمته حتى يتمنى لها الموت لئلا تنكح من بعده. وعن بعض الفتيان أنه كانت له جارية لا يرى الدنيا بها شغفا واستهتارا ، (٣) فنظر إليها ذات يوم فتنفس الصعداء وانتحب فعلا نحيبه مما ذهب به فكره هذا المذهب ، فلم يزل به ذلك حتى قتلها ، تصورا لما عسى يتفق من بقائها بعده وحصولها تحت يد غيره. وعن بعض الفقهاء أن الزوج الثاني في هدم الثلاث مما يجرى مجرى العقوبة ، فصين رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يلاحظ ذلك.
(إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)(٥٤)
(إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً) من نكاحهن على ألسنتكم (أَوْ تُخْفُوهُ) في صدوركم (فَإِنَّ اللهَ) يعلم ذلك فيعاقبكم به ، وإنما جاء به على أثر ذلك عاما لكل باد وخاف ، ليدخل تحته نكاحهن وغيره ولأنه على هذه الطريقة أهول وأجزل.
(لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً)(٥٥)
__________________
(١) وهو في حديث النسائي الذي قدمناه أولا.
(٢) أخرجه ابن سعد عن الواقدي عن عبد الله بن جعفر عن ابن أبى عون عن ابن بكر بن حزام في هذه الآية نزلت في طلحة قال : إذا توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجت عائشة» وقال عبد الرزق أخبرنا معمر عن قتادة أن رجلا قال «لو قد مات محمد لأتزوجن عائشة رضى الله عنها» فأنزل الله تعالى (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) الآية» وروى ابن أبى حاتم وابن مردويه من رواية داود عن عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية قال «نزلت في رجل هم أن يتزوج بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم ـ الحديث» من طريق السدى أن الذي عزم على ذلك عائشة رضى الله عنها.
(٣) قوله «لا يرى الدنيا بها شغفا واستهتارا» في الصحاح : فلان مستهتر بالشراب ، أى : مولع به ، لا يبالى ما قيل فيه. (ع)