عَذاباً مُهِيناً (٥٧) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً)(٥٨)
(يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) فيه وجهان ، أحدهما : أن يعبر بإيذائهما عن فعل ما يكرهانه ولا يرضيانه : من الكفر والمعاصي ، وإنكار النبوّة ، ومخالفة الشريعة ، وما كانوا يصيبون به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنواع المكروه ، على سبيل المجاز. وإنما جعلته مجازا فيهما جميعا. وحقيقة الإيذاء صحيحة في رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا أجعل العبارة الواحدة معطية معنى المجاز والحقيقة. والثاني : أن يراد يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل في أذى الله : هو قول اليهود والنصارى والمشركين : يد الله مغلولة وثالث ثلاثة والمسيح ابن الله والملائكة بنات الله والأصنام شركاؤه. وقيل : قول الذين يلحدون في أسمائه وصفاته. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حكى عن ربه «شتمني ابن آدم ولم ينبغ له أن يشتمني ، وآذاني ولم ينبغ له أن يؤذيني. فأما شتمه إياى فقوله : إنى اتخذت ولدا. وأما أذاه فقوله : إن الله لا يعيدني بعد أن بدأنى» وعن عكرمة : فعل أصحاب التصاوير الذين يرومون تكوين خلق مثل خلق الله (١) ، وقيل في أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم قولهم : ساحر ، شاعر ، كاهن ، مجنون. وقيل : كسر رباعيته وشج وجهه يوم أحد. وقيل : طعنهم عليه في نكاح صفية بنت حيي ، وأطلق إيذاء الله ورسوله ، وقيد إيذاء المؤمنين والمؤمنات ؛ لأن أذى الله ورسوله لا يكون إلا غير حق أبدا. وأما أذى المؤمنين والمؤمنات ، فمنه ومنه. ومعنى (بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) بغير جناية واستحقاق للأذى. وقيل : نزلت في ناس من المنافقين يؤذون عليا رضى الله عنه ويسمعونه. وقيل : في الذين أفكوا على عائشة رضى الله عنها. وقيل : في زناة كانوا يتبعون النساء وهنّ كارهات. وعن الفضيل : لا يحل لك أن تؤذى كلبا أو خنزيرا بغير حق ، فكيف (٢) وكان ابن عون لا يكرى الحوانيت إلا من أهل الذمّة ، لما فيه من الروعة عند كرّ الحول.
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)(٥٩)
الجلباب : ثوب واسع أوسع من الخمار ودون الرداء تلويه المرأة على رأسها وتبقى منه ما ترسله على صدرها. وعن ابن عباس رضى الله عنهما : الرداء الذي يستر من فوق إلى أسفل.
__________________
(١) أخرجه الطبري من حديث أبى هريرة رضى الله عنه. ومن حديث ابن عباس رضى الله عنهما نحوه.
(٢) «فكيف» عبارة النسفي : فكيف إيذاء المؤمنين والمؤمنات. (ع)