وقيل : الملحفة وكل ما يستتر به من كساء أو غيره. قال أبو زبيد :
مجلبب من سواد اللّيل جلبابا (١)
ومعنى (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ) يرخينها عليهنّ ، ويغطين بها وجوههنّ وأعطافهنّ. يقال : إذا زل الثوب عن وجه المرأة : أدنى ثوبك على وجهك ، وذلك أن النساء كنّ في أول الإسلام على هجيراهنّ في الجاهلية متبذلات ، تبرز المرأة في درع وخمار فصل بين الحرّة والأمة ، وكان الفتيان وأهل الشطارة يتعرّضون إذا خرجن بالليل إلى مقاضى حوائجهنّ في النخيل والغيطان للإماء ، وربما تعرّضوا للحرّه بعلة الأمة ، يقولون : حسبناها أمة ، فأمرن أن يخالفن بزيهنّ عن زى الإماء بلبس الأردية والملاحف وستر الرؤوس والوجوه ، ليحتشمن ويهين فلا يطمع فيهن طامع ، وذلك قوله (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ) أى أولى وأجدر بأن يعرفن فلا يتعرّض لهن ولا يلقين ما يكرهن. فإن قلت : ما معنى (مِنْ) في (مِنْ جَلَابِيبِهِنَ)؟ قلت : هو للتبعيض ، إلا أن معنى التبعيض محتمل وجهين ، أحدهما : أن يتجلببن ببعض مالهنّ من الجلابيب ، والمراد أن لا تكون الحرة متبذلة في درع وخمار ، كالأمة والماهنة ولها جلبابان فصاعدا في بيتها. والثاني : أن ترخى المرأة بعض جلبابها وفضله على وجهها تتقنع حتى تتميز من الأمة. وعن ابن سيرين : سألت عبيدة السلماني عن ذلك فقال : أن تضع رداءها فوق الحاجب ثم تديره حتى تضعه على أنفها. وعن السدى : أن تغطى إحدى عينيها وجبهتها ، والشق الآخر إلا العين. وعن الكسائي : يتقنعن بملاحفهن منضمة عليهنّ ، أراد بالانضمام معنى الإدناء (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لما سلف منهن من التفريط مع التوبة (٢) ، لأن هذا مما يمكن معرفته بالعقل.
(لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً (٦٠) مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا
__________________
(١) أهلا بضيف أنى ما استفتح البابا |
|
مجلبب من سواد الليل جلبابا |
لأبى زبيد. وأهلا : مفعول لمحذوف وجوبا ، أى : أتيت أهلا. وبضيف : متعلق بمحذوف ، أى. أرحب بضيف : ويجوز تعلقه بأهلا ، لأن فيه معنى الترحيب. وما : مصدرية ، أى : مدة استقامة الباب. والمراد منه التعميم ، أى : في أى وقت يطلب فتح الباب : وصفه بالآتى في سواد الليل ، مبالغة في التمدح بالكرم. ويجوز؟؟؟ أن الضيف محبوبته ، فيكون الليل استزلها؟؟؟. وشبه استتار ضيفه بظلام الليل يلبس اللباس ، والتجوز في الجلببة أو في الجلباب على طريق التصريحية ، ويجوز لأن ما نافية ، وعلى هذا فيصح أن يكون خطابا لملك الموت ، حيث دخل ولم يطلب فتح الباب ، وإن كان الضيف والحبيب قد يفعلان ذلك أيضا
(٢) قوله «لما سلف لعنهن من التفريط مع التوبة» هذا عند المعتزلة. أو بمجرد الفضل عند أهل السنة. (ع)