والمغارب» وبجمعهما وقد تقدم الكلام في وجه الإفراد والجمع. والفاء في قوله تعالى (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) لترتيب الأمر وموجبه على اختصاص الألوهية والربوبية به عزوجل وكيل فعيل بمعنى مفعول أي موكول إليه والمراد من اتخاذه سبحانه وكيلا أن يعتمد عليه سبحانه ويفوض كل أمر إليه عزوجل وذكر أن مقام التوكل فوق مقام التبتل لما فيه من رفع الاختيار وفيه دلالة على غاية الحب له تعالى وأنشدوا :
هواي له فرض تعطف أم جفا |
|
ومنهله عذب تكدر أم صفا |
وكلت إلى المعشوق أمري كله |
|
فإن شاء أحياني وإن شاء أتلفا |
ومن كلام بعض السادة : من رضي بالله تعالى وكيلا وجد إلى كل خير سبيلا (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) مما يؤلمك من الخرافات كقولهم يفرق بين الحبيب وحبيبه على ما سمعت في بعض روايات أسباب النزول (وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) بأن تجانبهم وتداريهم ولا تكافئهم وتكل أمورهم إلى ربهم كما يعرب عنه قوله تعالى (وَذَرْنِي وَ (١) الْمُكَذِّبِينَ) أي خل بيني وبينهم وكل أمرهم إليّ فإن في ما يفرغ بالك ويجلي همك ومر في أن تمام الكلام في ذلك وجوز في المكذبين هنا أن يكونوا هم القائلين ففيه وضع الظاهر موضع المضمر وسما لهم بميسم الذم مع الإشارة إلى علة الوعيد وجوز أن يكونوا بعض القائلين فهو على معنى (ذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ) منهم والآية قيل نزلت في صناديد قريش المستهزئين وقيل في المطعمين يوم بدر (أُولِي النَّعْمَةِ) أرباب التنعم وغضارة العيش وكثرة المال والولد فالنعمة بالفتح التنعم وأما بالكسر فهي الإنعام وما ينعم به وأما بالضم فهي المسرة (وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) أي زمانا قليلا وهو مدة الحياة الدنيا وقيل المدة الباقية إلى يوم بدر وأيّا ما كان فقليلا نصب على الظرفية وجوز أن يكون نصبا على المصدرية أي إمهالا قليلا والتفعيل لتكثير المفعول (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً) جمع نكل بكسر النون وفتحها وهو القيد الثقيل وقيل الشديد وقال الكلبي الأنكال الأغلال الأول أعرف في اللغة وعن الشعبي لم تجعل الأنكال في أرجلهم خوفا من هربهم ولكن إذا أرادوا أن يرتفعوا استفلت بهم والجملة تعليل لقوله تعالى (ذَرْنِي) وما عطف عليه فكأنه قيل كل أمرهم إلي ومهلهم قليلا لأن عندي ما أنتقم به منهم أشد الانتقام أنكالا (وَجَحِيماً) نارا شديدة الإيقاد (وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ) ينشب في الحلوق ولا يكاد يساغ كالضريع والزقوم. وعن ابن عباس شوك من نار يعترض في حلوقهم لا يخرج ولا ينزل (وَعَذاباً أَلِيماً يَوْمَ) ونوعا آخر من العذاب مؤلما لا يقادر قدره ولا يعرف كنهه إلّا الله عزوجل كما يشعر بذلك المقابلة والتنكير وما أعظم هذه الآية فقد أخرج الإمام أحمد في الزهد وابن أبي داود في الشريعة وابن عدي في الكامل والبيهقي في الشعب من طريق حمران بن أعين عن أبي حرب بن الأسود أن النبي صلىاللهعليهوسلم سمع رجلا يقرأ (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً) إلخ فصعق وفي رواية أنه عليه الصلاة والسلام نفسه قرأ (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً) فلما بلغ (أَلِيماً) صعق وقال خالد بن حسان : أمسى عندنا الحسن وهو صائم فأتيته بطعام فعرضت له هذه الآية (إِنَّ لَدَيْنا) إلخ فقال أرفعه فلما كانت الليلة الثانية أتيته بطعام فعرضت له أيضا فقال ارفعه وكذلك الليلة الثالثة فانطلق ابنه إلى ثابت البناني ويزيد الضبي ويحيى البكاء فحدثهم بحديثه فجاءوا معه فلم يزالوا به حتى شرب شربة من سويق. وفي الحديث السابق إذا صح ما يقيم العذر للصوفية ونحوهم الذين يصعقون عند سماع بعض الآيات ويقعد إنكار عائشة رضي الله عنها ومن وافقها عليهم اللهم إلّا أن يقال إن الإنكار ليس إلّا على من يصدر منه ذلك اختيارا وهو أهل لأن ينكر عليه كما لا يخفى أو يقال صعق من الصعق بسكون العين وقد يحرك غشي عليه لا من الصعق بالتحريك شدة الصوت وذلك مما لم