حسيسها المنكر الفظيع ، ففي ذلك استعارة تصريحية وجوز أن يكون الشهيق لأهلها ممن تقدم طرحهم فيها ومن أنفسهم كقوله تعالى (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) [هود : ١٠٦] والكلام على حذف مضاف أو تجوز في النسبة. واعترض بأن ذلك إنما يكون لهم بعد القرار في النار وبعد ما يقال لهم (اخْسَؤُا فِيها) [المؤمنون : ١٠٨]. وهو بعد ستة آلاف سنة من دخولهم كما في بعض الآثار ورد بأن ذلك إنما يدل على انحصار حالهم حينئذ في الزفير والشهيق لا على عدم وقوعها منهم قبل (تَكادُ تَمَيَّزُ) أي والحال أنها تغلي بهم غليان المرجل بما فيه (وَهِيَ تَفُورُ) أي ينفصل بعضها من بعض (مِنَ الْغَيْظِ) من شدة الغضب عليهم قال الراغب (الْغَيْظِ) أشد الغضب وقال المرزوقي في الفصيح إنه الغضب أو أسوؤه ، وقد شبه اشتعال النار بهم في قوة تأثيرها فيهم وإيصال الضرر إليهم باغتياظ المغتاظ على غيره المبالغ في إيصال الضرر إليه على سبيل الاستعارة التصريحية ، ويجوز أن تكون هنا تخييلية تابعة للمكنية بأن تشبه جهنم في شدة غليانها وقوة تأثيرها في أهلها بإنسان شديد الغيظ على غيره مبالغ في إيصال الضرر إليه فتوهم لها صورة كصورة الحالة المحققة الوجدانية وهي الغضب الباعث على ذلك ، واستعير لتلك الحالة المتوهمة للغيظ. وجوز أن يكون الإسناد في (تَكادُ تَمَيَّزُ) إلى جهنم مجازا وإنما الإسناد الحقيقي إلى الزبانية ، وأن يكون الكلام على تقدير مضاف أي تميز زبانيتها من الغيظ وقيل إن الله تعالى يخلق فيها إدراكا فتغتاظ عليهم فلا مجاز بوجه من الوجوه وورد في بعض الأخبار ما يؤيد ذلك ، وزعم بعضهم أنه لا حاجة لشيء مما ذكر لمكان (تَكادُ) كما في قوله تعالى (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) [النور : ٣٥] وفيه ما فيه والجملة إما حال من فاعل (تَفُورُ) أو خبر آخر وقرأ طلحة «تتميّز» بتاءين وأبو عمرو «تكاد تميز» بإدغام الدال في التاء والضحاك «تمايز» على وزن تفاعل وأصله تتمايز بتاءين وزيد بن على وابن أبى عبلة «تميز» من ماز (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ) استئناف مسوق لبيان حال أهلها بعد بيان نفسها ، وقيل لبيان حال آخر من أحوال أهلها وجوز أن تكون الجملة حالا من ضميرها أي كلما ألقي فيها جماعة من الكفرة (سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها) وهم مالك وأعوانه عليهمالسلام ، والسائل يحتمل أن يكون واحدا وأن يكون متعددا وليس السؤال سؤال استعلام بل هو سؤال توبيخ وتقريع ، وفيه عذاب روحاني لهم منضم إلى عذابهم الجسماني (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) يتلو عليكم آيات الله وينذركم لقاء يومكم هذا (قالُوا) اعترافا بأنه عزوجل قد أزاح عللهم بالكلية (بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ) وجمعوا بين حرف الجواب ونفس الجملة المجاب بها مبالغة في الاعتراف بمجيء النذير ، وتحسرا على ما فاتهم من السعادة في تصديقهم ، وتمهيدا لما وقع منهم من التفريط تندما واغتماما على ذلك ، أي قال كل فوج من تلك الأفواج قد جاء لها نذير أي واحد حقيقة أو حكما كنذر بني إسرائيل فإنهم في حكم نذير واحد فأنذرنا وتلا علينا ما أنزل الله تعالى من آياته.
(فَكَذَّبْنا) ذلك النذير من جهته تعالى (وَقُلْنا) في حق ما تلاه من الآيات إفراطا في التكذيب وتماديا في النكير (ما نَزَّلَ اللهُ) على أحد (مِنْ شَيْءٍ) من الأشياء فضلا عن تنزيل الآيات على بشر مثلكم (إِنْ أَنْتُمْ) أي ما أنتم في ادعاء ما تدعونه (إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) بعيد عن الحق والصواب. وجمع ضمير الخطاب مع أن مخاطب كل فوج نذيره لتغليبه على أمثاله ولو فرضا ليشمل أول فوج أنذرهم نذير. والأصل أنت وأمثالك ممن ادعى أو يدعي دعواك مبالغة في التكذيب وتماديا في التضليل كما ينبئ عنه تعميم المنزل مع ترك ذكر المنزل عليه فإنه ملوح بعمومه حتما ، وأما إقامة تكذيب الواحد مقام تكذيب الكل فقيل أمر