لاشتمال السقر على الشدائد وعلى الجبل من النار ، والوصف الآتي لا ينافي الإبدال على إرادة الجبل بناء على أن المراد به نحو ما في الحديث وقال أبو حيان : يظهر أنهما جملتان اعتقبت كل واحدة منهما على سبيل توعد العصيان الذي قبل كل واحدة منهما فتوعد على كونه عنيدا لآيات الله تعالى بإرهاق صعود وعلى قوله إن القرآن سحر يؤثر بإصلاء سقر وفيه بحث لا يخفى على من أحاط خبرا بما تقدم (وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ) أي أي شيء أعلمك ما سقر على أن (ما) الأولى مبتدأ و (أَدْراكَ) خبره و (ما) الثانية خبر لأنها مفيدة لما قصد إفادته من التهويل والتفظيع و (سَقَرُ) مبتدأ أي أي شيء هي في وصفها فإن ما قد يطلب بها الوصف وإن كان الغالب أن يطلب بها الاسم والحقيقة وقوله سبحانه (لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ) بيان لوصفها وحالها فالجملة مفسرة أو مستأنفة من غير حاجة إلى جعلها خبر مبتدأ محذوف وقيل حال من (سَقَرُ) والعامل فيها معنى التعظيم أي أعظم سقر وأهول أمرها حال كونها (لا تُبْقِي) إلخ وليس بذاك أي لا تبقي شيئا يلقى فيها إلا أهلكته وإذا هلك لم نذره هالكا حتى يعاد. وقال ابن عباس (لا تُبْقِي) إذا أخذت فيهم لم تبق منهم شيئا وإذا بدلوا خلقا جديدا لم (تَذَرُ) أن تعاودهم سبيل العذاب الأول وروي نحوه عن الضحاك بزيادة ولكل شيء فترة وملالة إلّا جهنم. وقيل (لا تُبْقِي) على شيء ولا تدعه من الهلاك بل كل ما يطرح فيها هالك لا محالة. وقال السدي : لا تبقي لهم لحما ولا تذر عظما وهو دون ما تقدم (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) قال ابن عباس ومجاهد وأبو رزين والجمهور أي مغيرة للبشرات مسودة للجلود ، وفي بعض الروايات عن بعض بزيادة «محرقة» والمراد في الجملة ف (لَوَّاحَةٌ) من لوحته الشمس إذا سودت ظاهره وأطرافه قال :
تقول ما لاحك يا مسافر |
|
يا ابنة عمي لاحني الهواجر |
والبشر جمع بشرة وهي ظاهر الجلد وفي بعض الآثار أنها تلفح الجلد لفحة فتدعه أشد سوادا من الليل. واعترض بأنه لا يصح وصفها بتسويدها الظاهر الجلود مع قوله سبحانه (لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ) الصريح في الإحراق وأجيب بأنها في أول الملاقاة تسوده ثم تحرقه وتهلكه أو الأول حالها مع من دخلها وهذا حالها مع من يقرب منها ، وأنت تعلم أنه إذا قيل لا يحسن وصفها بتسويد ظاهر الجلود بعد وصفها بأنها (لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ) لم يحسن هذا الجواب وقد يجاب حينئذ بأن المراد ذكر أوصافها المهولة الفظيعة من غير قصد إلى ترقّ من فظيع إلى أفظع وكونها (لَوَّاحَةٌ) وصف من أوصافها ولعله باعتبار أول الملاقاة وقيل الإهلاك وفي ذكره من التفظيع ما فيه لما أن في تسويد الجلود مع قطع النظر عما فيه من الإيلام تشويها للخلق ومثلة للشخص فهو من قبيل التتميم وفي استلزام الإهلاك تسويد الجلود تردد وإن قيل به فتدبر ، وجوز على تفسير (لَوَّاحَةٌ) بما ذكر كون البشر اسم جنس بمعنى الناس ، ويرجع المعنى إلى ما تقدم وقال الحسن وابن كيسان والأصم (لَوَّاحَةٌ) بناء مبالغة من لاح إذا ظهر والبشر بمعنى الناس أي تظهر للناس لعظمها وهولها كما قال تعالى (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) وقد جاء أنها تظهر لهم من مسيرة خمسمائة عام. ورفع (لَوَّاحَةٌ) على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هي لواحة. وقرأ عطية العوفي وزيد بن علي والحسن وابن أبي عبلة «لوّاحة» بالنصب على الاختصاص للتهويل أي أخص أو أعني وجوز أن يكون حالا مؤكدة من ضمير (تُبْقِي) أو (تَذَرُ) بناء على زعم الاستلزام وأن يكون حالا من (سَقَرُ) والعامل ما مر (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) الظاهر ملكا ألا ترى العرب وهم الفصحاء كيف فهموا منه ذلك فقد روي عن ابن عباس أنها لم نزلت عليها تسعة عشر قال أبو جهل لقريش ثكلتكم أمهاتكم أسمع أن ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة