متعلق ب (جَعَلْنا) لا ب (فِتْنَةً) فليست الفتنة معلولة للاستيقان بل المعلول جعل العدة سبب الفتنة. وفي الانتصاف يجوز أن يرجع قوله تعالى (لِيَسْتَيْقِنَ) إلى ما قبل الاستثناء أي جعلنا عدتهم سببا لفتنة الكفار ويقين المؤمنين وذكر الإمام في ذلك وجهين الثاني ما قدمناه مما اختاره بعض الأجلة والأول أن التقدير (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً) للكافرين وإلا (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) قال : وهذا كما يقال فعلت كذا لتعظيمك ولتحقير عدوك فالواو العاطفة قد تذكر في هذا الموضع تارة وقد تحذف أخرى. وقال بعض أنه متعلق بمحذوف أي فعلنا ذلك ليستيقن إلخ والكل كما ترى وحمل (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) على أهل الكتابين مما ذهب إليه جمع وقيل المراد بهم اليهود فقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن البراء أن رهطا من اليهود سألوا رجلا من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن خزنة جهنم فقال الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم أعلم فجاء فأخبر النبيّصلىاللهعليهوسلم فنزل عليه ساعتئذ عليها تسعة عشر. وأخرج الترمذي وابن مردويه عن جابر قال : قال ناس من اليهود لأناس من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم : هل يعلم نبيكم عدد خزنة جهنم؟ فأخبروا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «هكذا وهكذا في مرة عشرة وفي مرة تسعة» واستشعر من هذا أن الآية مدنية لأن اليهود إنما كانوا فيها وهو استشعار ضعيف لأن السؤال لصحابي فلعله كان مسافر فاجتمع بيهودي حيث كان وأيضا لا مانع إذ ذاك من إتيان بعض اليهود نحو مكة المكرمة ثم إن الخبرين لا يعينان حمل الموصول على اليهود كما يخفى فالأولى إبقاء التعريف على الجنس وشمول الموصول للفريقين أي (لِيَسْتَيْقِنَ) أهل الكتاب من اليهود والنصارى (وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً) أي يزداد إيمانهم كيفية بما رأوا من تسليم أهل الكتاب وتصديقهم أنه كذلك أو كمية بانضمام إيمانهم بذلك إلى إيمانهم بسائر ما أنزل (وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ) تأكيد لما قبله من الاستيقان وازدياد الإيمان ونفي لما قد يعتري المستيقن من شبهة ما للغفلة عن بعض المقدمات أو طريان ما توهم كونه معارضا في أول وهلة ولما فيه من هذه الزيادة جاز عطفه على المؤكد بالواو لتغايرهما في الجملة ، وإنما لم ينظم المؤمنون في سلك أهل الكتاب في نفي الارتياب حيث لم يقل ولا يرتابوا للتنبيه على تباين النفيين حالا فإن انتفاء الارتياب من أهل الكتاب مقارن لما ينافيه من الجحود ومن المؤمنين مقارن لما يقتضيه من الإيمان وكم بينهما وقيل إنما لم يقل ولا يرتابوا بل قيل (وَلا يَرْتابَ) إلخ للتنصيص على تأكيد الأمرين لاحتمال عود الضمير في ذلك على المؤمنين فقط والتعبير عن المؤمنين باسم الفاعل بعد ذكرهم بالموصول والصلة الفعلية المنبئة عن الحدوث للإيذان بثباتهم على الإيمان بعد ازديادهم ورسوخهم في ذلك (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي شك أو نفاق فيكون بناء على أن السورة بتمامها مكية ، والنفاق إنما حدث بالمدينة إخبارا عما سيحدث من المغيبات بعد الهجرة (وَالْكافِرُونَ) المصرون على التكذيب (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) أي أي شيء أراد الله تعالى أو ما الذي أراد الله تعالى بهذا العدد المستغرب استغراب المثل وعلى الأول ما ذا منزّلة منزلة اسم واحد للاستفهام في موضع نصب ب (أَرادَ) وعلى الثاني هي مؤلفة من كلمة (ما) اسم استفهام مبتدأ و (ذا) اسم موصول خبره والجملة بعد صلة والعائد فيها محذوف و (مَثَلاً) نصب على التمييز أو على الحال كما في قوله تعالى (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ) [الأعراف : ٧٣ ، هود : ٦٤] آية والظاهر أن ألفاظ هذه الجملة من المحكي وعنوا بالإشارة التحقير وغرضهم نفي أن يكون ذلك من عند الله عزوجل على أبلغ وجه لا الاستفهام حقيقة عن الحكمة ولا القدح في اشتماله عليها مع اعترافهم بصدور الأخبار بذلك عنه تعالى ، وجوز أن يكون أراد الله من الحكاية وهم قالوا ما ذا أريد ونحوه وقيل يجوز أن