المنشرة الكتابات الظاهرة المكشوفة ونحوه ما روي عن أبي صالح فمآلهما إلى واحد لاشتراكهما في أن المنشر لم يبق على أصله وأن لكل صحيفة مخصوصة به إما لخلاصه من الذنب وإما لوجه خلاصة فالمعمول عليه ما تقدم وهو مروي عن الحسن وقتادة وابن زيد. وقرأ سعيد بن جبير «صحفا» بإسكان الحاء «منشرة» بالتخفيف على أن أنشر الصحف ونشرها واحد كأنزل ونزله وفي البحر المحفوظ في الصحيفة والثوب نشر مخففا ثلاثيا ويقال في الميت أنشره الله تعالى ونشره ويقال : أنشره الله تعالى فنشر هو أي أحياه فحيي (كَلَّا) ردع عن إرادتهم تلك وزجر لهم عن اقتراح الآيات (بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ) فلذلك يعرضون عن التذكرة لا لامتناع إيتاء الصحف وحصول مقترحهم كما يزعمون وقرأ أبو حيوة «تخافون» بتاء الخطاب التفاتا (كَلَّا) ردع لهم عن إعراضهم (إِنَّهُ) أي القرآن أو التذكرة السابقة في قوله تعالى (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) وكذا الضمير الآتي وذكر لأنه بمعنى القرآن أو الذكر (تَذْكِرَةٌ) وأي تذكرة (فَمَنْ شاءَ) أن يذكره (ذَكَرَهُ) وحاز بسببه سعادة الدارين والوقف على (كَلَّا) على ما سمعت في الموضعين وعلى (مُنَشَّرَةً) و (الْآخِرَةَ) إن جعلت كما في الحواشي بمعنى إلّا (وَما يَذْكُرُونَ) أي بمجرد مشيئتهم للذكر كما هو المفهوم من ظاهر قوله تعالى (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) إذ لا تأثير لمشيئة العبد وإرادته في أفعاله وهو قوله سبحانه (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) استثناء مفرغ من أعم العلل أو من أعم الأحوال أي وما يذكرون بعلة من العلل أو في حال من الأحوال إلّا بأن يشاء الله تعالى أو حال إن يشاء الله ذلك وهذا تصريح بأن أفعال العباد بمشيئة الله عزوجل بالذات أو بالواسطة فيه رد على المعتزلة وحملهم المشيئة على مشيئة القسر والإلجاء خروج عن الظاهر من غير قسر وإلجاء. وقرأ نافع وسلام ويعقوب «تذكرون» بتاء الخطاب التفاتا مع إسكان الذال وروي عن أبي حيوة «يذّكرون» بياء الغيبة وشد الذال وعن أبي جعفر «تذكرون» بالتاء الفوقية وإدغامها في الذال (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى) حقيق بأن يتقى عذابه ويؤمن به ويطاع فالتقوى مصدر المبني للمفعول (وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) حقيق بأن يغفر جل وعلا لمن آمن به وأطاعه فالمغفرة مصدر المبني للفاعل وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه والنسائي وابن ماجة وخلق آخرون عن أنس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قرأ هذه الآية (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) فقال : «قد قال ربكم أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله فمن اتقاني فلم يجعل معي إلها آخر فأنا أهل أن أغفر له». وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن دينار عن أبي هريرة وابن عمر وابن عباس مرفوعا ما يقرب من ذلك. وفي حديث أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن الحسن قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يقول الله تعالى إني لأجدني أستحي من عبدي يرفع يديه إليّ ثم يردهما من غير مغفرة ، قالت الملائكة : إلهنا ليس لذلك بأهل قال الله تعالى لكني أهل التقوى وأهل المغفرة أشهدكم أني قد غفرت له» وكأن الجملة لتحقيق الترهيب والترغيب اللذين أشعر بهما الكلام السابق كما لا يخفى على المتذكر وعن بعضهم أنه لما سمع قوله تعالى (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) قال : «اللهم اجعلني من أهل التقوى وأهل المغفرة على أن أول الثاني كثاني الأول مبنيا للفاعل وثاني الثاني كأول الأول مبنيا للمفعول وإلّا فلا يحسن الدعاء وإن تكلف لتصحيحه فافهم والله تعالى أعلم.