الكلام ووجهه أن إنشاء القسم يتضمن الإخبار عن تعظيم المقسم به فهو نفي لذلك الخبر الضمني على سبيل الكناية ، والمراد أنه لا يعظم بالقسم لأنه في نفسه عظيم أقسم به أولا ويترقى من هذا التعظيم إلى تأكيد المقسم عليه إذ المبالغة في تعظيم المقسم به تتضمن المبالغة فيه فما يختلج في بعض الخواطر من أنه يلزم أن يكون على هذا إخبارا لا إنشاء فلا يستحق جوابا ، وأن المعنى على تعظيم المقسم عليه لا المقسم به مدفوع ، ووراء ذلك أقوال فقيل إنها لنفي الإقسام لوضوح الأمر. وقال الفراء : لنفي كلام معهود قبل القسم ورده فكأنهم هنا أنكروا البعث فقيل (لا) أي الأمر كذلك ثم قيل (أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) وقدح الإمام فيه بإعادة حرف النفي بعد وقيل إنها ليس لا وإنما اللام أشبعت فتحتها فظهر من ذلك ألف والأصل «لأقسم» كما قرأ به قنبل وروي عن البزي والحسن وهي لام الابتداء عند بعض والأصل «لأنا أقسم» وحذف المبتدأ للعلم به ولام التأكيد دخلت على الفعل المضارع كما في (إِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) [النحل : ١٢٤] والأصل إني لأقسم عند بعض ، ولام القسم ولم يصحبها نون التوكيد لعدم لزوم ذلك وإنما هو أغلبي على ما حكي عن سيبويه مع الاعتماد على المعنى عند آخرين. وقال الجمهور : إنها صلة واختاره جار الله في المفصل وما ذكر من الاختصاص غير مسلم لأن الزيادة إذا ثبتت في القسم فلا فرق بين أول الكلام وأوسطه لا أنه مسلم لكن القرآن في حكم سورة واحدة متصل بعضه ببعض لأن كونه كذلك بالنسبة إلى التناقض ونحوه لا بالنسبة إلى مثل هذا الحكم ثم فهم ما ذكره في توجيه النوفي من اللفظ بعيد وحال سائر الأقوال غير خفي وقد مر بعض الكلام في ذلك فتذكر والكلام في قوله تعالى (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) على ذلك النمط بيد أنه قبل على قراءة لأقسم فيما قبل أن المراد هنا النفي على معنى «أني لأقسم بيوم القيامة» لشرفه (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) لخستها. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة ما يقتضيه وحكاه في البحر عن الحسن وقال قتادة في هذه النفس هي الفاجرة الجشعة اللوامة لصاحبها على ما فاته من سعي الدنيا وأغراضها وجاء نحوه في رواية عن ابن عباس والحق أنه تفسير لا يناسب هذا المقام ولذلك قيل هي النفس المتقية التي تلوم النفوس يوم القيامة على تقصيرهن في التقوى والمبالغة بكثرة المفعول. وقال مجاهد : هي التي تلوم نفسها على ما فات وتندم على الشر لم فعلته وعلى الخير لم لم تستكثر منه فهي لم تزل لائمة وإن اجتهدت في الطاعات فالمبالغة في الكيف باعتبار الدوام وقيل المراد «بالنفس اللوامة» جنس النفس الشاملة للتقية والفاجرة لما روي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «ليس من نفس برة ولا فاجرة إلّا وتلوم نفسها يوم القيامة إن عملت خيرا قالت كيف لم أزد منه ، وإن عملت شرا قالت ليتني قصرت». وضمها إلى يوم القيامة لأن المقصود من إقامتها مجازاتها وبعثها فيه ، وضعف بأن هذا القدر من اللوم لا يكون مدارا للإعظام بالإقسام وإن صدر عن النفس المؤمنة المسيئة فكيف من الكافرة المندرجة تحت الجنس وأجيب بأن القسم بها حينئذ بقطع النظر عن الصفة والنفس من حيث هي شريفة لأنها الروح التي هي من عظيم أمر الله عزوجل ، وفيه أنه لا يظهر لذكر الوصف حينئذ فائدة والإمام أوقف الخبر على ابن عباس واعترضه بثلاثة أوجه ، وأجاب عنها بحمل اللوم على تمني الزيادة وتمني إن لم يكن ما وقع من المعصية واقعا وما ذكر من توجيه الضم لا يخص هذا الوجه كما لا يخفى وقيل المراد بها نفس آدم عليهالسلام فإنها لم تزل تلوم نفسها على فعلها الذي خرجت به من الجنة وأكثر الصوفية على أن النفس اللوامة فوق الأمارة وتحت المطمئنة ، وعرفوا الأمارة بأنها هي التي تميل إلى الطبيعة البدنية وتأمر باللذات والشهوات الحسية وتجذب القلب إلى الجهة السفلية ، وقالوا هي مأوى الشرور ومنبع الأخلاق الذميمة. وعرفوا اللوامة بأنها هي التي تنورت بنور القلب قدر ما تنبهت عن سنة الغفلة فكلما صدر عنها سيئة بحكم