بَصِيرَةٌ) أي حجة بينة واضحة على نفسه شاهدة بما صدر عنه من الأعمال السيئة كما يؤذن به كلمة (عَلى) والجملة الحالية بعد ف (الْإِنْسانُ) مبتدأ و (عَلى نَفْسِهِ) متعلق ب (بَصِيرَةٌ) بتقدير أعمال أو المعنى عليه من غير تقدير و (بَصِيرَةٌ) بصير خيبر وهي مجاز عن الحجة البينة الواضحة أو بمعنى بينة وهي صفة لحجة مقدرة هي الخبر ، وجعل الحجة بصيرة لأن صاحبها بصير بها فالإسناد مجازي أو هي بمعنى دالة مجازا وجوز أن يكون هناك استعارة مكنية وتخييلية والتأنيث للمبالغة أو لتأنيث الموصوف أعني حجة وقيل ذلك لإرادة الجوارح أي جوارحه على نفسه بصيرة أي شاهدة ونسب إلى القتبي ، وجوز أن يكون التقدير عين بصيرة وإليه ذهب الفراء وأنشد :
كأن على ذي العقل عينا بصيرة |
|
بمجلسه أو منظر هو ناظره |
يحاذر حتى يحسب الناس كلهم |
|
من الخوف لا يخفى عليهم سرائره |
وعليه قيل (الْإِنْسانُ) مبتدأ أول و (بَصِيرَةٌ) بتقدير عين بصيرة مبتدأ ثان و (عَلى نَفْسِهِ) خبر المبتدأ والثاني والجملة خبر المبتدأ الأول واختار أبو حيان أن تكون (بَصِيرَةٌ) فاعلا بالجار والمجرور وهو الخبر عن الإنسان وعمل بالفاعل لاعتماده على ذلك وأمر التأنيث ظاهر و (بَلِ) للترقي على الوجهين إرادة حجة بصيرة وإرادة عين بصيرة ، والمعنى عليهما (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ) بأعماله بل فيه ما يجزي عن الإنباء لأنه عالم بتفاصيل أحواله شاهد على نفسه بما عملت لأن جوارحه تنطق بذلك (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [النور : ٢٤] وفي كلا الوجهين كما قيل شائبة التجريد وهي في الثاني أظهر وقوله تعالى (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) أي ولو جاء بكل معذرة يمكن أن يعتذر بها عن نفسه حال من المستكن في (بَصِيرَةٌ) أو من مرفوع (يُنَبَّؤُا) أي هو على نفسه حجة وهو شاهد عليها ولو أتى بكل عذر في الذب عنها ففيه تنبيه على أن الذب لا رواج له أو ينبأ بأعماله ويجازى ويعاقب لا محالة ولو أتى بكل عذر فهو تأكيد لما يفهم من مجموع قوله تعالى (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ) إلخ والمعاذير جمع معذرة بمعنى العذر على خلاف القياس والقياس معاذر بغير ياء وأطلق عليه الزمخشري اسم الجمع كعادته في إطلاق ذلك على الجموع المخالفة للقياس وإلّا فهو ليس من أبنية اسم الجمع. وقال صاحب الفرائد : يمكن أن يقال الأصل فيه معاذر فحصلت الياء من إشباع الكسرة وهو كما ترى أو جمع معذار على القياس وهو بمعنى العذر ، وتعقب بأنه بهذا المعنى لم يسمع من الثقات نعم قال السدي والضحاك : المعاذير الستور بلغة اليمن واحدها معذار وحكي ذلك عن الزجاج أي ولو أرخى ستوره ، والمعنى أن احتجابه في الدنيا واستتاره لا يغني عنه شيئا لأن عليه من نفسه بصيرة وفيه تلويح إلى معنى قوله تعالى (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ) [فصلت : ٢٢] الآية وقيل البصيرة عليه الكاتبان يكتبان ما يكون من خير أو شر ، فالمعنى بل الإنسان عليه كاتبان يكتبان أعماله ولو تستر بالستور ولا يكون في الكلام على هذا شائبة تجريد كما تقدم ، والإلقاء على إرادة الستور ظاهر وأما على إرادة الأعذار فقيل شبه المجيء بالعذر بإلقاء الدلو في البئر للاستقاء به فيكون فيه تشبيه ما يراد بذلك بالماء المروي للعطش ويشير إلى هذا قول السدي في ذلك ولو أدلى بحجة وعذر وقيل المعنى ولو رمى بأعذاره وطرحها واستسلم وقيل ولو أحال بعضهم على بعض كما يقول بعضهم لبعض (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) [سبأ : ٣١] و (لَوْ) على جميع هذه الأقوال إما أن يكون معنى الشرطية منسلخا عنها كما قيل فلا جواب لها ، وإما أن يكون باقيا فيها فالجواب محذوف يدل عليه ما قبل. واستظهر الخفاجي الأول وفي الآية على بعض