معرفة ذلك فإن الواجب علينا حكمة حشر الجمع فيه وإنزال قرآن يتضمن بيان أحواله ليستعد له وإظهاره بالوقوع الذي هو الداهية العظمى وما عدا ذلك من تعيين وقته فلا يجب علينا حكمة بل هو مناف للحكمة فإذا سألت فقد سألت ما ينافيها فلا تجاب انتهى. وفيه ما فيه وما كنت أذكره لو لا هذا التنبيه واللائق بجزالة التنزيل ولطيف إشاراته ما أشار إليه ذو اليد الطولى جار الله تجاوز الله تعالى عن تقصيراته فتأمل فلا حجر على فضل الله عزوجل. ولما ردع سبحانه عن حب العاجلة وترك الآخرة عقب ذلك بما يتضمن تأكيد هذا الردع مما يشير إلى حسن عاقبة حب الآخرة وسوء مغبة العاجلة فقال عزّ من قائل (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) أي وجوه كثيرة وهي وجوه المؤمنين المخلصين يوم إذ تقوم القيامة بهية متهللة من عظيم المسرة يشاهد عليها نضرة النعيم على أن (وُجُوهٌ) مبتدأ و (ناضِرَةٌ) خبره و (يَوْمَئِذٍ) منصوب ب (ناضِرَةٌ) و (ناظِرَةٌ) في قوله تعالى (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) خبر ثان للمبتدإ أو نعت ل (ناضِرَةٌ) و (إِلى رَبِّها) متعلق ب (ناظِرَةٌ) وصح وقوع النكرة مبتدأ لأن الموضع موضع تفصيل كما في قوله :
فيوم لنا ويوم علينا |
|
ويوم نساء ويوم نسرّ |
لا على أن النكرة تخصصت بيومئذ كما زعم ابن عطية لأن ظرف الزمان لا يكون صفة للجثث ولا على أن (ناضِرَةٌ) صفة لها والخبر (ناظِرَةٌ) كما قيل لما أن المشهور الغالب كون الصفة معلومة الانتساب إلى الموصوف عند السامع وثبوت النظرة للوجوه ليس كذلك فحقه أن يخبر به نعم ذكر هذا غير واحد احتمالا في الآية وقال فيه أبو حيان هو قول سائغ. ومعنى كونها ناظرة إلى ربها أنها تراه تعالى مستغرقة في مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه وتشاهده تعالى على ما يليق بذاته سبحانه ولا حجر على الله عزوجل وله جل وعلا لتنزه الذاتي التام في جميع تجلياته. واعترض بأن تقديم المعمول يعني (إِلى رَبِّها) يفيد الاختصاص كما في نظائره في هذه السورة وغيرها وهو لا يتأتى لو حمل ذلك على النظر بالمعنى المذكور ضرورة أنهم ينظرون إلى غيره تعالى. وحيث كان الاختصاص ثابتا كان الحمل على ذلك باطلا وفيه أن التقديم لا يتمحض للاختصاص كيف والموجب من رعاية الفاصلة والاهتمام قائم ثم لو سلم فهو باق بمعنى أن النظر إلى غيره تعالى في جنب النظر إليه سبحانه لا يعد نظرا كما قيل في نحو ذلك الكتاب على أن ذلك ليس في جميع الأحوال بل في بعضها وفي ذلك لالتفات إلى ما سواه جل جلاله فقد أخرج مسلم والترمذي عن صهيب عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تعالى تريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار قال فيكشف الله تعالى الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم». وفي حديث جابر وقد رواه ابن ماجة : «فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم». ومن هنا قيل :
فينسون النعيم إذا رأوه |
|
فيا خسران أهل الاعتزال |
وكثيرا ما يحصل نحو ذلك للعارفين في هذه النشأة فيستغرقون في بحار الحب وتستولي على قلوبهم أنوار الكشف فلا يلتفتون إلى شيء من جميع الكون :
فلما استبان الصبح أدرج ضوءه |
|
بإسفاره أنوار ضوء الكواكب |
وقيل الكلام على حذف مضاف أي إلى ملك أو رحمة أو ثواب ربها ناظرة والنظر على معناه المعروف أو على حذف مضاف والنظر بمعنى الانتظار فقد جاء لغة بهذا المعنى أي إلى أنعام ربها منتظرة وتعقب بأن