تذييل للدعاء لا محل لها من الإعراب ، وجوز أن تكون في موضع الحال بتقدير القول كأنه قيل (ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) مقولا له (أَوْلى لَكَ) إلخ ويؤيده ما أخرج النسائي والحاكم وصححه وعبد بن حميد وابن جرير ابن المنذر وغيرهم عن سعيد بن جبير قال : سألت ابن عباس عن قول الله تعالى (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) أشيء قاله رسول الله صلىاللهعليهوسلم من نفسه أم أمره الله تعالى به؟ قال : بل قال من قبل نفسه ثم أنزله الله تعالى واستدل بقوله سبحانه (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) إلخ. على أن الكفار مخاطبون بالفروع فلا تغفل (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) أي مهملا فلا يكلف ولا يجزى وقيل أن يترك في قبره فلا يبعث ويقال : إبل سدى أي مهملة ترعى حيث شاءت بلا راع وأسديت الشيء أي أهملته وأسديت حاجتي ضيعتها ولم أعتن بها. قال الشاعر :
فأقسم بالله جهد اليم |
|
ين ما خلق الله شيئا سدى |
ونصب (سُدىً) على الحال من ضمير (يُتْرَكَ) و (أَنْ يُتْرَكَ) في موضع المفعولين ليحسب والاستفهام إنكاري وكان تكريره بعد قوله تعالى (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) لتكرير إنكار الحشر قيل مع تضمن الكلام الدلالة على وقوعه حيث إن الحكمة تقتضي الأمر بالمحاسن والنهي عن القبائح والرذائل والتكليف لا يتحقق إلّا بمجازاة وهي قد لا تكون في الدنيا فتكون في الآخرة وجعل بعضهم هذا استدلالا عقليا على وقوع الحشر وفيه بحث لا يخفى وقوله تعالى (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى) إلخ استئناف وارد لإبطال الحسبان المذكور فإن مداره لما كان استبعادهم للإعادة دفع ذلك ببدء الخلق. وقرأ الحسن «ألم تك» بباء الخطاب على سبيل الالتفات وقرأ الأكثر «تمنى» بالتاء الفوقية فالضمير للنطفة أي يمنيها الرجل ويصبها في الرحم وعلى قراءة الياء وهي قراءة حفص وأبي عمرو بخلاف عنه ويعقوب وسلام والجحدري وابن محيصن للمني (ثُمَّ كانَ عَلَقَةً) أي بقدرة الله تعالى كما قال تعالى (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) [المؤمنون : ١٤] (فَخَلَقَ) أي فقدر الله عزوجل بأن جعلها سبحانه مخلقة (فَسَوَّى) فعدل وكمل (فَجَعَلَ مِنْهُ) أي من الإنسان وقيل من المني (الزَّوْجَيْنِ) أي الصنفين (الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) بدل من الزوجين والخنثى لا يعدوهما. وقرأ زيد بن علي الزوجان بالألف على لغة بني الحارث بن كعب ومن وافقهم من العرب من كون المثنى بالألف في جميع حالاته (أَلَيْسَ ذلِكَ) العظيم الشأن الذي أنشأ هذا الإنشاء البديع (بِقادِرٍ) أي قادرا وقرأ زيد «يقدر» مضارعا (عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) وهو أهون من البدء في قياس العقل. وقرأ طلحة بن سليمان والفيض بن غزوان «على أن يحيي» بسكون الياء وأنت تعلم أن حركاتها حركة إعراب لا تنحذف إلّا في الوقف وقد جاء في الشعر حذفها بدونه وعن بعضهم «يحيي» بنقل حركة الياء إلى الحاء وإدغام الياء في الياء قال ابن خالويه : لا يجيز أهل البصرة سيبويه وأصحابه إدغام يحيي قالوا لسكون الياء الثانية ولا يعتدون بالفتحة فيها لأنها حركة إعراب غير لازمة ، والفراء أجاز ذلك واحتج بقوله تمشي بشدة فتعي يريد فتعيا ، وبالجملة القراءة شاذة وجاء في عدة أخبار أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان إذا قرأ هذه الآية قال : «سبحانك اللهم وبلى» وفي بعضها «سبحانك فبلى» وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من قرأ منكم والتين والزيتون فانتهى إلى آخرها أليس الله بأحكم الحاكمين فليقل بلى وأنا على ذلكم من الشاهدين ، ومن قرأ لا أقسم بيوم القيامة فانتهى إلى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى فليقل بلى ، ومن قرأ والمرسلات فبلغ فبأي حديث بعده يؤمنون فليقل آمنا بالله».