جَنَّتانِ) [الرحمن : ٤٦] وقرأ أبو حيوة «دانية» بالرفع وخرج على أن دانية خبر مقدم لظلالها والجملة في حيز الحال على أن الواو عاطفة أو حالية أو في حيز الصفة على أن الواو عاطفة أيضا أو للإلصاق على ما يراه الزمخشري. وقال الأخفش «ظلالها» مرفوع بدانية على الفاعلية واستدل بذلك على جواز عمل اسم الفاعل من غير اعتماد نحو قائم الزيدون وقد علمت أنه لا يصلح للاستدلال لقيام ذلك الاحتمال على أنه يجوز أن يكون خبر المبتدأ مقدر فيعتمد أي وهي دانية عليهم ظلالها. وقرأ أبيّ «ودان» كقاض ولا يتم الاستدلال به للأخفش أيضا وإن كان بينه وبين ما تقدم فرق ما. وقرأ الأعمش «ودانيا عليهم» نحو خاشعا أبصارهم والمراد أن ظلال أشجار الجنة قريبة من الأبرار مظلة عليهم زيادة في نعيمهم (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) أي سخرت ثمارها لمتناولها وسهل أخذها من الذل وهو ضد الصعوبة. قال قتادة ومجاهد وسفيان : إن كان الإنسان قائما تناول الثمر دون كلفة ، وإن كان قاعدا أو مضطجعا فكذلك فهذا تذليلها لا يرد اليد عنها بعد ولا شوك ، والجملة حال من ضمير (دانِيَةً) أي تدنو ظلالها عليهم مذللة لهم قطوفها أو معطوفة على ما قبلها وهي فعلية معطوفة على اسمية في قراءة «دانية» بالرفع ونكتة التخالف أن استدامة الظل مطلوبة هنالك والتجدد في تذليل القطوف على حسب الحاجة (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ) جمع إناء ككساء وأكسية ، وهو ما يوضع فيه الشيء والأواني جمع الجمع (مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ) جمع كوب وهو قدح لا عروة له كما قال الراغب وفي القاموس : كوز لا عروة له أو لا خرطوم له ، وقيل : الكوز العظيم الذي لا أذن له ولا عروة (كانَتْ) أي تلك الأكواب (قَوارِيرَا) جمع قارورة وهي إناء رقيق من الزجاج يوضع فيه الأشربة ونصبه على الحال فإن كان تامة وهو كما تقول خلقت قوارير وقوله تعالى (قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ) بدل والكلام على التشبيه البليغ فالمراد تكونت جامعة بين صفاء الزجاجة وشفيفها ولين الفضة وبياضها. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والبيهقي عن ابن عباس قال : لو أخذت فضة من فضة الدنيا فضربتها حتى جعلتها مثل جناح الذباب لم ير الماء من ورائها ولكن قوارير الجنة ببياض الفضة مع صفاء القوارير. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال : ليس في الجنة شيء إلّا قد أعطيتم في الدنيا شبهه إلّا قوارير من فضة. وقرأ نافع والكسائي وأبو بكر بتنوين «قوارير» في الموضعين وصلا وإبداله ألفا وقفا وابن كثير يمنع صرف الثاني ويصرف الأول لوقوعه في الفاصلة وآخر الآية ، وقف عليه بألف مشاكلة لغيره من كلمات الفواصل والتنوين عند الزمخشري في الأول بدل من ألف الإطلاق كما في قوله :
يا صاح ما هاج العيون الذرفن
وفي الثاني للاتباع فتذكر والقراءة بمنع صرفهما لحفص وابن عامر وحمزة وأبي عمرو وقرأ الأعمش الثاني «قوارير» بالرفع أي هي قوارير (قَدَّرُوها تَقْدِيراً) أي قدروا تلك القوارير في أنفسهم فجاءت حسب ما قدروا لا مزيد على ذلك ولا يمكن أن يقع زيادة عليه ، وفي معناه قول الطائي :
ولو صورت نفسك لم تزدها |
|
على ما فيك من كرم الطباع |
فإنه ينبئ عن كون نفسه خلقت على أتمّ ما ينبغي من مكارم الصفات بحيث لا مزيد على ذلك فضمير (قَدَّرُوها) للأبرار المطاف عليهم أو قدروا شرابها على قدر الري وهو ألذ للشارب. قال ابن عباس : أتوا بها على الحاجة لا يفضلون شيئا ولا يشتهون بعدها شيئا وعن مجاهد تقديرها أنها ليست بالملأى التي تفيض ولا بالناقصة التي تغيض ، فالضمير على ما هو الظاهر للسقاة الطائفين بها المدلول عليه بقوله تعالى (يُطافُ عَلَيْهِمْ). وقد روى عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس أنه قال قدرتها السقاة وقيل : المعنى قدروها