والكمال ، ولهذا ختم الله تعالى ذكر ثواب الأبرار بقوله جل وعلا (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً إِنَّ هذا) الذي ذكر من فنون الكرامات الجليلة الشأن (كانَ لَكُمْ جَزاءً) بمقابلة أعمالكم الصالحة التي اقتضاها حسن استعدادكم واختياركم ، والظاهر أن المجيء بالفعل للتحقيق والدوام وجوز أن يكون المراد كان في علمي وحكمي وكذا في قوله تعالى (وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) أي مرضيا مقبولا أو مجازى عليه غير مضيع ، والكلام على ما روي عن ابن عباس على إضمار القول أي ويقال لهم بعد دخولهم الجنة ومشاهدتهم ما أعد لهم إن هذا إلخ والغرض أن يزداد سرورهم فإنه يقال للمعاقب هذا بعملك الرديء فيزداد غمه وللمثاب هذا بطاعتك وعملك الحسن فيزداد سروره ويكون ذلك تهنئة له ، وجوز أن يكون خطابا من الله تعالى في الدنيا كأنه سبحانه بعد أن شرح ثواب أهل الجنة قال : إن هذا كان في علمي وحكمي جزاء لكم يا معشر عبادي وكان سعيكم مشكورا ، وقيل : وهو لا يغني عن الإضمار ليرتبط بما قبله وقد ذكر سبحانه من الجزاء ما تهش له الألباب وأعقبه جل وعلا بما يدل على الرضا الذي هو أعلى وأغلى لدى الأحباب :
إذا كنت عني يا منى القلب راضيا |
|
أرى كل من في الكون لي يتبسم |
وروي من طرق أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قرأ هذه السورة وقد أنزلت عليه وعنده رجل من الحبشة أسود ، فلما بلغ صفة الجنان زفر زفرة خرجت نفسه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أخرج نفس صاحبكم الشوق إلى الجنة». ولما ذكر سبحانه أولا حال الإنسان وقسمه إلى الطائع والعاصي وأمعن جل شأنه فيما أعده للطائع مشيرا إلى عظم سعة الرحمة ذكر ما شرف به نبيه صلىاللهعليهوسلم إزالة لوحشته وتقوية لقلبه فقال عز قائلا (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) أي أنزلناه مفرقا منجما في نحو ثلاث وعشرين سنة لحكم بالغة مقتضية له لا غيرنا كما يعرب عنه تكرير الضمير مع أن سواء كان المنفصل تأكيدا أو فصلا أو مبتدأ (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) بتأخير نصرك على الكفار فإن له عاقبة حميدة (وَلا تُطِعْ) قلة صبر منك على أذاهم وضجرا من تأخر نصرك (مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) قيل إن (أَوْ) لأحد الشيئين في جميع مواقعها ، ويعرض لها معان أخر كالشك والإباحة وغيرهما فيكون أصل المعنى هنا (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ) أحد النوعين ولما كان أحد الأغلب عليه في غير الإثبات العموم واحتمال غيره احتمال مرجوح صار المعنى على النهي عن إطاعة هذا وهذا ، ولم يؤت بالواو لاحتمال الكلام عليه النهي عن المجموع ويحصل امتثاله بالانتهاء عن واحد دون الآخر ، فلا يرد أن لا تطلع أحد النوعين يحصل الامتثال به بترك إطاعة واحد من إطاعة الآخر إذ يقال لمن فعل ذلك إنه لم يطع أحدهما ، ومن هنا قيل إن (أَوْ) في الإثبات تفيد أحد الأمرين ، وفي النفي تفيد نفي كلا الأمرين جميعا ، ولعل ما ذكر في معنى كلام ابن الحاجب حيث قال : إن وضع (أَوْ) لإثبات الحكم لأحد الأمرين إلّا أنه إن حصلت قرينة يفهم معها أن أحد الأمرين غير حاجز عن الآخر مثل قولك جالس الحسن أو ابن سيرين سمي إباحة وإن حجر فهو لأحد الأمرين. واستشكل بعضهم وقوعها في النهي ك (لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) إذا لو انتهى عن أحدهما لم يمتثل. ومن ثم حملها بعضهم يعني أبا عبيدة على أنها بمعنى الواو والأول أن تبقى على بابها وإنما جاء التعميم فيها من وراء ذلك وهو النهي الذي فيه معنى النفي لأن المعنى قبل وجود النهي تطيع آثما أو كفورا أي واحدا منهما ، فإذا جاء النهي ورد على ما كان ثابتا في المعنى فيصير المعنى ولا تطع واحدا منهما فيجيء التعميم فيهما من جهة النهي وهي على بابها فيما ذكر لأنه لا يحصل الانتهاء عن أحدهما حتى ينتهي عنهما بخلاف الإثبات فإنه قد يفعل أحدهما دون الآخر انتهى. وعليه ما قيل إن إفادة العموم في النفي والنهي الذي