إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (٤١) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٥) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (٤٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)(٥٠)
(وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ) أي جبالا ثوابت (شامِخاتٍ) مرتفعات ، ومنه شمخ بأنفه. ووصف جمع المذكر بجمع المؤنث في غير العقلاء مطرد ك (أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) [البقرة : ١٩٧] وتنكيرها للتفخيم أو للإشعار بأن في الأرض جبالا لم تعرف ولم يوقف عليها ، فأرض الله تعالى واسعة وفيها ما لم يعلمه إلّا الله عزوجل.
وقيل للإشعار بأن في الجبال ما لم يعرف وهو الجبال السماوية وهو مما يوافق أهل الفلسفة الجديدة إذ قالوا بوجود جبال كثيرة في القمر وظنوا وجودها في غيره وتعقب بأنه تفسير بما لم يعرف (وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) أي عذبا وذلك بأن خلقناه في أصولها وأجريناه لكم منها في أنهار وأنبعناه في منابع تستمد مما استودعناه فيها وقد يفسر بما هو أعم من ذلك والماء المنزل من السماء (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بأمثال هذه النعم العظيمة (انْطَلِقُوا) أي يقال لهم يومئذ للتوبيخ والتقريع (انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) في الدنيا من العذاب (انْطَلِقُوا) أي خصوصا فليس تكرارا للأول وقيل هو تكرار له وإن قيد بقوله تعالى (إِلى ظِلٍ) هو ظل دخان جهنم كما قاله جمهور المفسرين فهو كقوله تعالى (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) [الواقعة : ٤٣] وفيه استعارة تهكمية ، وقرأ رويس عن يعقوب «انطلقوا» بصيغة الماضي وهو استئناف بياني كأنه قيل فما كان بعد الأمر فقيل انطلقوا إلى ظل (ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) متشعب لعظمه ثلاث شعب كما هو شأن الدخان العظيم تراه يتفرق تفرق الذوائب. وفي بعض الآثار يخرج لسان من النار فيحيط بالكفار كالسرادق ويتشعب من دخانها ثلاث شعب فتظلهم حتى يفرغ من حسابهم والمؤمنون في ظل العرش. وخصوصية الثلاث قيل إما لأن حجاب النفس عن أنوار القدس الحس والخيال والوهم أو لأن المؤدي إلى هذا العذاب هو القوة الوهمية الشيطانية الحالّة في الدماغ والقوة الغضبية السبعية التي عن يمين القلب والقوة الشهوية البهيمية التي عن يساره ، ولذلك قيل تقف شعبة فوق الكافر وشعبة عن يمينه وشعبة عن يساره. وقيل لأن تكذيبهم بالعذاب يتضمن تكذيب الله تعالى وتكذيب رسوله صلىاللهعليهوسلم فهناك ثلاثة تكذيبات. واعتبر بعضهم التكذيب بالعذاب أصلا والشعب الثلاث التكذيبان المذكوران وتكذيب العقل الصريح فتأمل. وعن ابن عباس يقال ذلك لعبدة الصليب فالمؤمنون في ظل الله عزوجل وهم في ظل معبودهم وهو الصليب له ثلاث شعب (لا ظَلِيلٍ) أي لا مظلل وهو صفة ثانية لظل ونفى كونه مظللا عنه والظل لا يكون إلّا مظللا للدلالة على أن جعله ظلا تهكم بهم ولأنه ربما يتوهم أن فيه راحة لهم فنفى هذا الاحتمال بذلك وفيه تعريض بأن ظلهم غير ظل المؤمنين (وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ) وغير مفيد في وقت من الأوقات من حر اللهب شيئا وعدّي يغني بمن لتضمنه معنى يبعد واشتهر أن هذه الآية تشير إلى قاعدة هندسية وهي أن الشكل المثلث لا ظل له فانظر هل تتعقل ذلك (إِنَّها) أي النار الدال عليها الكلام وقيل الضمر للشعب (تَرْمِي بِشَرَرٍ) هو ما تطاير من النار سمّي بذلك لاعتقاد الشر فيه وهو اسم جنس جمعي واحده شررة (كَالْقَصْرِ) كالدار الكبيرة المشيدة والمراد كل شررة كذلك في العظم ويدل على إرادة ذلك ما بعد ويؤيده قراءة ابن عباس وابن مقسم «بشرار» بكسر الشين وألف بين الراءين فإن الظاهر أنه جمع شررة كرقبة