ظِلالٍ) جمع ظل ضد الضح وهو أعم من الفيء فإنه يقال ظل الليل وظل الجنة ويقال لكل موضع لم تصل إليه الشمس ظل ولا يقال الفيء إلّا لما زال عنه الشمس ويعبر به أيضا عن الرفاهة وعن العزة والمناعة وعن هذا المعنى حمل الراغب ما في الآية والمتبادر منه ما هو المعروف ، ويؤيده ما تقدم في المقابل (انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) إلخ وقراءة الأعمش في «ظلل» جمع ظلة وأيّا ما كان فالمراد من قوله تعالى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ) أنهم مستقرون في فنون الترفه وأنواع التنعم (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) مقدر بقول هو حال من ضمير (الْمُتَّقِينَ) في الخبر كأنه قيل مستقرون في ذلك مقولا لهم (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) في الدنيا من العمل الصالح بالإيمان وغير ذلك (إِنَّا كَذلِكَ) أي مثل ذلك الجزاء العظيم (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) لا جزاء أدنى منه ، والمراد بالمحسنين المتقون السابق ذكرهم إلّا أنه وضع الظاهر موضع الضمير مدحا لهم بصفة الإحسان أيضا مع الإشعار بعلة الحكم ، وجوز أن يراد بالمتقين والمحسنين الصالحون من المؤمنين ولا دليل فيه للمعتزلة على خلود العصاة أهل الكبائر في النار وغاية الأمر عدم التعرض لحالهم (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) حيث نال أعداؤهم هذا الثواب العظيم وهم بقوا في العذاب الأليم (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ) حال من المكذبين على ما ذهب إليه غير واحد من الأجلة أي الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم ذلك تذكيرا لما كان يقال لهم في الدنيا ولما كانوا أحقاء بأن يخاطبوا به حيث تركوا الحظ الكثير إلى النزر الحقير فيفيد التحسير والتخسير وعلى طريقته قوله :
إخوتي لا تبعدوا أبدا |
|
وبلى والله قد بعدوا |
فهو دعاء لإخوته بعدم الهلكة بعد هلاكهم تقريرا بأنهم كانوا أحقاء بذلك الدعاء في حياتهم وأن هلاكهم لحينونة الأجل المسمى لا لأنهم كانوا أحقاء بالدعاء عليهم. وذهب أبو حيان إلى أنه كلام مستأنف خوطب به المكذبون في الدنيا والأمر فيه أمر تحسير وتهديد وتخسير ، ولم يعتبر التهديد على الأول لأنه غير مقصود في الآخرة ورجح بأنه أبعد من التعسف وأوفق لتأليف النظم وفيه نظر. والظاهر أن قوله سبحانه (إِنَّكُمْ) إلخ في موضع التعليل وفيه دلالة على أن كل مجرم نهايته تمتع أيام قليلة ثم يبقى في عذاب وهلاك أبدا (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا) أي أطيعوا الله تعالى واخشعوا وتواضعوا له عزوجل بقبول وحيه تعالى واتباع دينه سبحانه وارفضوا هذا الاستكبار والنخوة (لا يَرْكَعُونَ) لا يخشعون ولا يقبلون ذلك ويصرون على ما هم عليه من الاستكبار ، وقيل : أي إذا أمر بالصلاة أو بالركوع فيها لا يفعلون إذ روي عن مقاتل أن الآية نزلت في ثقيف قالوا للرسول عليه الصلاة والسلام : حط عنا الصلاة فإنّا لا نجبى فإنها مسبة علينا ، فقال عليه الصلاة والسلام : «لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود» ورواه أيضا أبو داود والطبراني وغيرهما. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال هذا يوم القيامة يدعون إلى السجود فلا يستطيعون السجود من أجل أنهم لم يكونوا يسجدون في الدنيا. واتصال الآية على ما نقل عن الزمخشري بقوله تعالى (لِلْمُكَذِّبِينَ) كأنّه قيل ويل يومئذ للذين كذبوا والذين إذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ، وجوز أن يكون أيضا بقوله سبحانه (إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ) على طريقة الالتفات كأنه قيل هم أحقاء بأن يقال لهم (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا) ثم علل ذلك بكونهم مجرمين وبكونهم إذا قيل لهم صلّوا لا يصلّون واستدل به على أن الأمر للوجوب وإن الكفار مخاطبون بالفروع (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ) أي بعد القرآن الناطق بأحاديث الدارين وأخبار النشأتين