إذا جاء ما لا بد منه فمرحبا |
|
به حين يأتي لا كذاب ولا علل |
وفيه بحث ظاهر وجوز أن يكون مفردا صيغة مبالغة ككبار وحسان فيكون صفة لمصدر محذوف أي تكذيبا كذابا فيفيد المبالغة والدلالة على الإفراط في الكذب لأنه كليل أليل وظلام مظلم والإسناد فيه مجازي (وَكُلَّ شَيْءٍ) من الأشياء التي من جملتها أعمالهم. وقال أبو حيان : أي كل شيء مما يقع عليه الثواب والعقاب فهو عام مخصوص وانتصابه بمضمر يفسره (أَحْصَيْناهُ) أي حفظناه وضبطناه. وقرأ أبو السمال بالرفع على الابتداء (كِتاباً) مصدر مؤكد ل (أَحْصَيْناهُ) فإن الإحصاء والكتب يتشاركان في معنى الضبط فأما أن يؤول (أَحْصَيْناهُ) بكتبناه أو (كِتاباً) بإحصاء ، وجوز الاحتباك على الحذفين من الطرفين أو حال بمعنى مكتوبا في اللوح أو صحف الحفظة. والظاهر أن الكلام على حقيقته. وقال بعضهم : الظاهر أنه تمثيل لصورة ضبط الأشياء في علمه تعالى بضبط المحصي المجد المتقن للضبط بالكتابة وإلّا فهو عزوجل مستغن عن الضبط بالكتابة وهذا التمثيل لتفهيمنا وإلّا فالانضباط في علمه تعالى أجل وأعلى من أن يمثل بشيء والمشهور عند أهل السنة ما قدمنا وليس ذلك للاحتياج وإنما هو لحكم تقصر عنها العقول والجملة اعتراض لتأكيد الوعيد السابق بأن ذلك كائن لا محالة لاحق بهم لأنّ معاصيهم مضبوطة مكتوبة يكفحون بها يوم الجزاء. وقيل لتأكيد كفرهم وتكذيبهم بالآيات بأنهما محفوظان للجزاء وليس بذاك. وقال البعض : الأوجه عندي أن كل شيء منصوب بالعطف على اسم إن في (إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً) و (أَحْصَيْناهُ كِتاباً) عطف على خبره والرفع على العطف على محل اسم إن ، والجمل بيان لكون الجزاء المذكور موافقا لأعمالهم لأن الجزاء الموافق إنما يكون لصدور أفعال موجبة له عنهم وضبطها وعدم فوتها على المجازي فالجملتان الأوليان لإفادة صدور الموجب وهو الكفر المعبر عنه بعدم رجاء الحساب والتكذيب بالآيات لما أن ذلك كالعلم فيه والأخيرة لإفادة الضبط وعدم الفوت أي مع إدماج الإشارة إلى باقي المعاصي فيها وليست اعتراضا انتهى. ولا يخفى ما فيه من التكلف (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) مسبب عن كفرهم بالحساب وتكذيبهم بالآيات وتسبب الذوق والأمر به في غاية الظهور. وقيل : الأظهر أنه مرتبط بقوله تعالى : (لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً) إلخ أي إذا ذاقوا الحميم والغساق فيقال لهم (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ) إلخ. وحينئذ الجمل بينهما اعتراضية وفيه أنه في غاية البعد مع ما فيه من كثرة الاعتراض ومجيئه على طريق الالتفات للمبالغة لتقدير إحضارهم وقت الأمر ليخاطبوا بالتقريع والتوبيخ وهو أعظم في الإهانة والتحقير ولو قدر القول فيه لم يكن هناك التفات. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن الحسن قال : سألت أبا برزة الأسلمي عن أشد آية في كتاب الله تعالى على أهل النار ، فقال : قول الله تعالى (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) ووجه الأشدية على ما قيل إنه تقريع في يوم الفصل وغضب من أرحم الراحمين وتأييس لهم مع ما في لن أي على القول بإفادتها التأبيد من أن ترك الزيادة كالمحال الذي لا يدخل تحت الصحة. وقيل : يحتمل أن يكون المراد أنه أشد حجج القرآن على أهل النار فإنه إذا بلغهم في الدنيا هذا الوعيد ولم يخافوا منه فقد قبلوا العذاب الأبدي في مقابلة الكفر فلا عذر لهم يوم القيامة في الحكم عليهم بخلود النار ، وفيه من البعد ما فيه. واستشكل أمر زيادة العذاب بمنافاتها كون الجزء موافقا للأعمال وأجيب بأنها لحفظ الأصل إذ لولاها لألفوا ما أصابهم من العذاب أول مرة ولم يتألموا به وهو كما ترى. وقيل : إن العذاب لما كان للكفر والمعاصي وهي متزايدة في القبح في كل آن فالكفر مثلا في الزمن الثاني أقبح منه في الزمن الأول وهكذا ، وعلم الله تعالى منهم لسوء استعدادهم استمرارهم على ذلك اقتضى ذلك زيادة العذاب وشدته يوما فيوما وقيل : لما كان كفرهم أعظم كفر اقتضى