أبلغ وجه وآكده ، وجوز أن يكون منه صلة (يَمْلِكُونَ) ومن ابتدائية والمعنى لا يملكون من الله تعالى خطابا واحدا أي لا يملكهم الله تعالى ذلك فلا يكون في أيديهم خطاب يتصرفون فيه تصرف الملاك فيزيدون في الثواب أو ينقصون من العقاب ، وهذا كما تقول : ملكت منه درهما وهو أقل تكلفا وأظهر من جعل (مِنْهُ) حالا من (خِطاباً) مقدما وإضمار مضاف أي خطابا من خطاب الله تعالى فيكون المعنى لا يملكون خطابا واحدا من جملة ما يخاطب به الله تعالى ويأمر به في أمر الثواب والعقاب. وظاهر كلام البيضاوي حمل الخطاب على خطاب الاعتراض عليه سبحانه في ثواب أو عقاب ومنه على ما سمعت منا أولا لا يملكون خطابه تعالى والاعتراض عليه سبحانه في ثواب أو عقاب لأنهم مملوكون له عزوجل على الإطلاق فلا يستحقون عليه سبحانه اعتراضا أصلا. وأيّا ما كان فالآية لا تصلح دليلا على نفي الشفاعة بإذنه عزوجل. وعن عطاء عن ابن عباس أن ضمير (لا يَمْلِكُونَ) للمشركين وعدم الصلاحية عليه أظهر.
(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) قيل (الرُّوحُ) خلق أعظم من الملائكة وأشرف منهم وأقرب من رب العالمين ، وقيل : هو ملك ما خلق الله عزوجل بعد العرش خلقا أعظم منه. عن ابن عباس أنه إذا كان يوم القيامة قام هو وحده صفا والملائكة صفا. وعن الضحاك أنه لو فتح فاه لوسع جميع الملائكة عليهمالسلام. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه عن ابن عباس أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «الروح جند من جنود الله تعالى ليسوا ملائكة لهم رءوس وأيد وأرجل». وفي رواية : «يأكلون الطعام» ثم قرأ (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) وقال : «هؤلاء جند وهؤلاء جند» وروي القول بهذا عن مجاهد وأبي صالح. وقيل : هم أشراف الملائكة وقيل : هم حفظة الملائكة ، وقيل : ملك موكل على الأرواح قال في الأحياء : الملك الذي يقال له الروح هو الذي يولج الأرواح في الأجسام فإنه يتنفس فيكون في كل نفس من أنفاسه روح في جسم وهو حق يشاهده أرباب القلوب ببصائرهم. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك أنه جبريل عليهالسلام وهو قول لابن عباس فقد أخرج هو عنه أيضا أنه قال : إن جبريل عليهالسلام يقوم القيامة لقائم بين يديّ الجبار ترعد فرائصه فرقا من عذاب الله تعالى يقول : سبحانك لا إله إلّا أنت ما عبدناك حق عبادتك وإن ما بين منكبيه كما بين المشرق والمغرب أما سمعت قول الله تعالى (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) وفي رواية البيهقي في الأسماء والصفات عنه أن المراد به أرواح الناس وأن قيامها مع الملائكة فيما بين النفختين قبل أن ترد إلى الأجساد وهو خلاف الظاهر في الآية جدا ولعله لا يصح عن الحبر. وقيل : القرآن وقيامه مجاز عن ظهور آثاره الكائنة عن تصديقه أو تكذيبه وفيه الجمع بين الحقيقة والمجاز مع ما لا يخفى ولم يصح عندي فيه هنا شيء و (يَوْمَ) ظرف ل (لا يَمْلِكُونَ) و (صَفًّا) حال أي مصطفين قيل هما صفان الروح صف واحد أو متعدد والملائكة صف آخر ، وقيل صفوف وهو الأوفق لقوله تعالى (وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر : ٢٢] وقيل يوم يقوم الروح والملائكة الكل صفا واحدا وجوز أن يكون ظرفا لقوله تعالى (لا يَتَكَلَّمُونَ) وقوله سبحانه (إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) بدل من ضمير (لا يَتَكَلَّمُونَ) وهو عائد إلى أهل السماوات والأرض الذين من جملتهم الروح والملائكة وذكر قيامهم مصطفين لتحقيق عظمة سلطانه تعالى وكبرياء ربوبيته عزوجل وتهويل يوم البعث الذي عليه مدار الكلام من مطلع السورة الكريمة إلى مقطعها. والجملة استئناف مقرر لمضمون قوله تعالى (لا يَمْلِكُونَ) إلخ ومؤكد له على معنى أن أهل السماوات والأرض إذا لم يقدروا حينئذ أن يتكلموا بشيء من جنس الكلام إلّا من أذن الله تعالى له منهم في التكلم مطلقا وقال ذلك المأذون له بعض