لأنه واسطة فيه وناقل له عن مرسله وهو الله عزوجل (كَرِيمٍ) أي عزيز على الله سبحانه وتعالى وقيل متعطف على المؤمنين (ذِي قُوَّةٍ) أي شديد كما قال سبحانه (شَدِيدُ الْقُوى) [النجم : ٥] وجاء في قوته أنه عليهالسلام بعث إلى مدائن لوط وهي أربع مدائن وفي كل مدينة أربعمائة ألف مقاتل سوى الذراري فحملها بمن فيها من الأرض السفلى حتى سمع أهل السماء أصوات الدجاج ونباح الكلاب ثم هوى بها فأهلكها. وقيل : المراد القوة في أداء طاعة الله تعالى وترك الإخلال بها من أول الخلق إلى آخر زمان التكليف. وقيل : لا يبعد أن يكون المراد قوة الحفظ والبعد عن النسيان والخلط (عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) أي ذي مكانة رفيعة وشرف عند الله العظيم جل جلاله عندية إكرام وتشريف لا عندية مكان فالظرف متعلق بمكين وهو فعيل من المكانة وقد كثر استعمالها كما في الصحاح حتى ظن أن الميم من أصل الكلمة واشتق منه تمكن كما اشتق من المسكنة تمسكن. وجوز أن يكون مصدرا ميميا من الكون وأصله مكون بكسر الواو فصار بالنقل والقلب مكينا وأريد بالكون الوجود كأنه من كمال الوجود صار عين الوجود والأول هو الظاهر. وقيل : إن الظرف متعلق بمحذوف وقع صفة أخرى لرسول أي كائن عند ذي العرش الكينونة اللائقة وهو كما ترى (مُطاعٍ) فيما بين الملائكة المقربين عليهمالسلام يصدرون عن أمره ويرجعون إلى رأيه (ثَمَ) ظرف مكان للبعيد وهو يحتمل أن يكون ظرفا لما قبله وجعل إشارة إلى (عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ) والمراد بكونه مطاعا هناك كونه مطاعا في ملائكته تعالى المقربين كما سمعت ويحتمل أن يكون ظرفا لما بعده أعني قوله سبحانه (أَمِينٍ) والإشارة بحالها وأمانته على الوحي وفي رواية عنه عليهالسلام أنه قال : «أمانتي أني لم أومر بشيء فعدوته إلى غيره» ولأمانته أنه عليهالسلام يدخل الحجب كما في بعض الآثار بغير إذن. وقرأ أبو جعفر وأبو حيوة وأبو البرهسم وابن مقسم «ثمّ» بضم الثاء حرف عطف تعظيما للأمانة وبيانا لأنها أفضل صفاته المعدودة. وقال صاحب اللوامح هي بمعنى الواو لأن جبريل عليهالسلام كان بالصفتين معا في حال واحدة ولو ذهب ذاهب إلى الترتيب والمهلة في هذا العطف بمعنى مطاع في الملأ الأعلى عليّ ثم أمين عند انفصاله عنهم حال وحيه إلى الأنبياء عليهمالسلام لجاز أن ورد به أثر انتهى. والمعول عليه ما سمعت والمقام يقتضي تعظيم الأمانة لأن دفع كون القرآن افتراء منوط بأمانة الرسول.
(وَما صاحِبُكُمْ) هو رسول الله صلىاللهعليهوسلم (بِمَجْنُونٍ) كما تبهته الكفرة قاتلهم الله تعالى. وفي التعرض لعنوان الصحبة مضافة إلى ضميرهم على ما هو الحق تكذيب لهم بألطف وجه إذ هو إيماء إلى أنه عليه الصلاة والسلام نشأ بين أظهركم من ابتداء أمره إلى الآن فأنتم أعرف به وبأنه صلىاللهعليهوسلم أتم الخلق عقلا وأرجحهم قيلا وأكملهم وصفا وأصفاهم ذهنا فلا يسند إليه الجنون إلّا من هو مركب من الحمق والجنون. واستدل الزمخشري بالمبالغة في ذكر جبريل عليهالسلام وتركها في شأن النبي صلىاللهعليهوسلم على أفضليته عليهالسلام على النبي صلىاللهعليهوسلم وأجابوا بما بحث فيه والوجه في الجواب على ما في الكشف أن الكلام مسوق لحقية المنزل دلالة على صدق ما ذكر فيه من أهوال القيامة وقد علمت أن من شأن البليغ أن يجرد الكلام لما ساق له لئلا يعد الزيادة لكنة وفضولا ولا خفاء أن وصف الآتي بالقول يشدّ من عضد ذلك أبلغ شد ، وأما وصف من أنزل عليه فلا مدخل له في البين إلّا إذا كان الغرض الحث على اتباعه فلهذا لم تدل المبالغة في شأن جبريل عليهالسلام وعد صفاته الكوامل وترك ذلك في شأن نبينا عليه أفضل الصلوات والتسليمات على تفضيله بوجه. وقال بعضهم : إن المبالغة في وصف جبريل عليهالسلام مدح بليغ في حق النبي صلىاللهعليهوسلم لأن الملك إذا أرسل لأحد من هو معزز معظم مقرب لديه دل على أن المرسل إليه بمكانه عنده ليس فوقها