بعد الغروب وأصله من رقة الشيء ، يقال : شيء شفق أي لا يتماسك لرقته ومنه أشفق عليه رق قلبه والشفقة من الإشفاق وكذلك الشفق قال الشاعر :
تهوى حياتي وأهوى موتها شفقا |
|
والموت أكرم نزّال على الحرم |
وقيل : البياض الذي يلي تلك الحمرة ويرى بعد سقوطها ، وفي تسمية ذلك شفقا خلاف فالجمهور على أنه لا يسمى به وأبو هريرة وعمر بن عبد العزيز وأبو حنيفة رضي الله تعالى عنهم على أنه يسمى. وروى أسد ابن عمرو عن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه أنه رجع عن ذلك إلى ما عليه الجمهور وتمام الكلام عليه في شروح الهداية. وأخرج عبد ابن حميد عن مجاهد وعكرمة أنه هنا النهار كله. وروي ذلك عن الضحاك وابن أبي نجيح وكأنه شجعهم على ذلك عطف الليل عليه وعن عكرمة أيضا أنه ما بقي من النهار والفاء في جواب شرط مقدر أي إذا عرفت هذا أو تحققت الحور بالبعث فلا أقسم بالشفق (وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ) وما ضم وجمع يقال : وسقه فاتسق واستوسق أي جمعه فاجتمع ، ويقال : طعام موسوق أي مجموع وإبل مستوسقة أي مجتمعة. قال الشاعر :
إن لنا قلائصا حقائقا |
|
مستوسقات لم يجدن سائقا |
ومن الوسق الأصواع المجتمعة وهي ستون صاعا أو حمل بعير لاجتماعه على ظهره وما تحتمل المصدرية والموصولة والجمهور على الثاني والعائد محذوف ، أي والذي وسقه والمراد به ما يجتمع بالليل ويأوي إلى مكانه من الدواب وغيرها. وعن مجاهد ما يكون فيه من خير أو شر وقيل ما ستره وغطى عليه بظلمته وقيل : ما جمعه من الظلمة. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن جبير أنه قال (وَما وَسَقَ) وما عمل فيه ومنه قوله :
فيوما ترانا صالحين وتارة |
|
تقوم بنا كالواسق المتلبب |
وقيل : وسق بمعنى طرد أي وما طرده إلى أماكنه من الدواب وغيرها أو ما طرده من ضوء النهار ومنه الوسيقة قال في القاموس وهي من الإبل كالرفقة من الناس فإذا سرقت طردت معا (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) أي اجتمع نوره وصار بدرا (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) خطاب لجنس الإنسان المنادى أولا باعتبار شموله لأفراده والمراد بالركوب الملاقاة والطبق في الأصل ما طابق غيره مطلقا وخص في العرف بالحال المطابقة لغيرها ومنه قول الأقرع بن حابس :
إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره |
|
وساقني طبق منه إلى طبق |
و (عَنْ) للمجاوزة. وقال غير واحد : هي بمعنى بعد كما في قولهما : سادوك كابرا عن كابر وقوله :
ما زلت أقطع منهلا عن منهل |
|
حتى أنخت بباب عبد الواحد |
والمجاوزة والبعدية متقاربان والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع صفة لطبقا أو حالا من فاعل (تركبن) والظاهر أن نصب (طَبَقاً) على أنه مفعول به أي لتلاقن حالا مجاوزة لحال أو كائنة بعد حال أو مجاوزين لحال أو كائنين بعد حال كل واحدة مطابقة لأختها في الشدة والهول ، وجوز كون الركوب على حقيقته وتجعل الحال مركوبة مجازا. وقيل نصب (طَبَقاً) على التشبيه بالظرف أو الحالية وقال جمع الطبق جمع طبقة كتخم وتخمة وهي المرتبة ويقال إنه اسم جنس جمعي واحده ذلك والمعنى لتركبن أحوالا بعد أحوال هي طبقات في الشدة بعضها أرفع من بعض وهي الموت وما بعده من مواطن القيامة وأهوالها ، ورجحه