إليه فأي شيء يمنعهم من الإيمان به عليه الصلاة والسلام وجوز أن يكون لترتيب ذلك على ما تضمنه قوله سبحانه (فَلا أُقْسِمُ) إلخ مما يدل على صحة البعث من التغييرات العلوية والسفلية الدالة على كمال القدرة وإليه ذهب الإمام أي إذا كان شأنه تعالى شأنه كما أشير إليه من كونه سبحانه وتعالى عظيم القدرة واسع العلم فأي شيء يمنعهم عن الإيمان بالبعث الذي هو من جملة الممكنات التي تشملها قدرته عزوجل ويحيط بها علمه جل جلاله.
(وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) عطف على الجملة الحالية فهي حالية مثلها ، أي فأي مانع لهم حال عدم سجودهم عند قراءة القرآن والسجود مجاز عن الخضوع اللازم له على ما روي عن قتادة أو المراد به الصلاة. وفي قرن ذلك بالإيمان دلالة على عظم قدرها كما لا يخفى أو هو على ظاهره. فالمراد بما قبله قرئ القرآن المخصوص أو وفيه آية سجدة وقد صح عنه صلىاللهعليهوسلم أنه سجد عند قراءة هذه الآية. أخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم عن أبي هريرة قال : سجدنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) و (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) وأخرج الشيخان وأبو داود والنسائي وعن أبي رافع قال : صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) فسجد فقلت له ، فقال : سجدت خلف أبي القاسم صلىاللهعليهوسلم فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه عليه الصلاة والسلام. وفي ذلك رد على ابن عباس رضي الله تعالى عنهما حيث قال : ليس في المنفصل وهو من سورة محمد صلىاللهعليهوسلم وقيل من الفتح وقيل هو قول الأكثر من الحجرات سجدة وهي سنة عند الشافعي وواجبة عند أبي حنيفة. قال الإمام : روي أنه صلىاللهعليهوسلم قرأ ذات يوم (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [العلق : ١٩] فسجد هو ومن معه من المؤمنين وقريش تصفق فوق رءوسهم وتصفر فنزلت هذه الآية. واحتج أبو حنيفة على وجوب السجدة بهذا من وجهين : الأول أن فعله عليه الصلاة والسلام يقتضي الوجوب لقوله تعالى (فَاتَّبِعُوهُ) [الأنعام : ١٥٣ ، ١٥٥] الثاني أنه تعالى ذم من يسمعه ولا يسجد وحصول الذم عند الترك يدل على الوجوب انتهى. وفيه بحث مع أن الحديث كما قال ابن حجر لم يثبت (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ) أي بالقرآن وهو انتقال عن كونهم لا يسجدون عند قراءته إلى كونهم يكذبون به صريحا ووضع الموصول موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بالكفر والإشعار بعلة الحكم. وقرأ الضحاك وابن أبي عبلة «يكذبون» مخففا وبفتح الياء (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ) أي بالذي يضمرونه في صدورهم من الكفر والحسد والبغضاء والبغي فما موصولة والعائد محذوف وأصل الإيعاء جعل الشيء في وعاء. وفي مفردات الراغب الإيعاء حفظ الأمتعة في وعاء ومنه قوله:
والشر أخبث ما أوعيت من زاد
وأريد به هنا الإضمار مجازا وهو المروي عن ابن عباس ولا يلزم عليه كون الآية في حق المنافقين مع كون السورة مكية كما لا تخفى ، وفسره بعضهم بالجمع وحكي عن ابن زيد وجوز أن يكون المعنى والله تعالى أعلم بما يجمعونه في صحفهم من أعمال السوء وأيّا ما كان فعلم الله تعالى بذلك كناية عن مجازاته سبحانه عليه. وقيل : المراد الإشارة إلى أن لهم وراء التكذيب قبائح عظيمة كثيرة يضيق عن شرحها نطاق العبارة. وقال بعضهم : يحتمل أن يكون المعنى والله تعالى أعلم بما يضمرونه في أنفسهم من أدلة كونه أي القرآن حقا فيكون المراد المبالغة في عتادهم وتكذيبهم على خلاف علمهم ، والظاهر أن الجملة على هذا حال من ضمير (يُكَذِّبُونَ) وكونها كذلك على ما قيل من الإشارة خلاف الظاهر. وقرأ أبو رجاء «بما يعون» من وعى يعي (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) مرتب على الأخبار بعلمه تعالى بما يوعون مرادا به مجازاتهم به وقيل