فيه ، وعلى تقدير أن يراد بها الشهادة بالمعنى الأول القول بأن الشاهد الخلائق الحاضرون للحساب وأن المشهود اليوم ولعل تكرير القسم به وإن اختلف العنوان لزيادة تعظيمه فتأمل. وجواب القسم قيل هو قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا) [البروج : ١٠] وقال المبرد هو قوله تعالى (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) [البروج : ١٢٠] وصرح به ابن جريج وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود ما يدل عليه وقال غير واحد هو قوله تعالى (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) على حذف اللام منه للطول والأصل لقتل كما في قوله :
حلفت لها بالله حلفة فاجر |
|
لناموا فما إن من حديث ولا صالي |
وقيل : على حذف اللام وقد والأصل لقد قتل وهو مبني على ما اشتهر من أن الماضي المثبت المتصرف الذي لم يتقدم معموله تلزمه اللام وقد ، ولا يجوز الاقتصار على أحدهما إلّا عند طول الكلام كما في قوله سبحانه (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) [الشمس : ٩] بعد قوله تعالى (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) [الشمس : ١] إلخ والبيت المذكور ولا يجوز تقدير اللام بدون قد لأنها لا تدخل على الماضي المجرد منها ، وتمام الكلام في محله كشروح التسهيل وغيرها وأيّا ما كان فالجملة خبرية. وقال بعض المحققين : إن الأظهر أنها دعائية دالة على الجواب كأنه قيل : أقسم بهذه الأشياء أن كفار قريش لملعونون أحقاء بأن يقال فيها قتلوا كما هو شأن أصحاب الأخدود لما أن السورة وردت لتثبيت المؤمنين على ما هم عليه من الإيمان وتصبيرهم على أذية الكفرة وتذكيرهم بما جرى ممن تقدمهم من التعذيب لأهل الإيمان وصبرهم على ذلك حتى يأنسوا بهم ويصبروا على ما كانوا يلقون من قومهم ويعلموا أنهم مثل أولئك عند الله عزوجل في كونهم ملعونين مطرودين ، فالقتل هنا عبارة عن أشد اللعن والطرد لاستحالة الدعاء منه سبحانه حقيقة فأريد لازمه من السخط والطرد عن رحمته جل وعلا. وقال بعضهم : الأظهر أن يقدر أنهم لمقتولون كما قتال أصحاب الأخدود فيكون وعدا له صلىاللهعليهوسلم بقتل الكفرة المتردين لإعلاء دينه ، ويكون معجزة بقتل رءوسهم في غزوة بدر انتهى. وظاهرة إبقاء القتل على حقيقته واعتبار الجملة خبرية وهو كما ترى وحكي في البحر أن الجواب محذوف وتقديره لتبعثن ونحوه وليس بشيء كما لا يخفى و (الْأُخْدُودِ) الخد وهو الشق في الأرض ونحوهما بناء ومعنى الخق والأخقوق ومنه ما جاء في خبر سراقة حين تبع رسول اللهصلىاللهعليهوسلم فساخت قوائمه أي قوائم فرسه في أخاقيق جرذان.
أخرج مسلم والترمذي والنسائي وغيرهم من حديث صهيب يرفعه : «كان ملك من الملوك وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن : انظروا لي غلاما فهما فأعلمه علمي هذا فإني أخاف أن أموت فينقطع منكم هذا العلم ولا يكون فيكم من يعلمه ، فنظروا له غلاما على ما وصف فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن وأن يختلف إليه ، فجعل الغلام يختلف إليه وكان على طريق الغلام راهب في صومعة فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مر به فلم يزل به حتى أخبره فقال : إنما أعبد الله تعالى. فجعل الغلام يمكث عند الراهب ويبطئ على الكاهن فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام إنه لا يكاد يحضرني فأخبر الغلام الراهب بذلك فقال له الراهب : إذا قال لك الكاهن أين كنت فقل عند أهلي ، وإذا قال لك أهلك أين كنت فأخبرهم أنك كنت عند الكاهن ، فبينما الغلام على ذلك إذ مر بجماعة من الناس كثيرة قد حبستهم دابة يقال كانت أسدا ، فأخذ الغلام حجرا فقال : اللهم إن كان ما يقول الراهب حقا فأسألك أن أقتل هذه الدابة وإن كان ما يقوله الكاهن حقا فأسألك أن لا أقتلها ثم رمى فقتل الدابة ، فقال الناس من قتلها؟ فقالوا : الغلام ففزع الناس وقالوا قد علم هذا