بهذا البلد الحرام ولا يحترم كما يستحل الصيد في غير الحرم عن شرحبيل بن سعد يحرمون أن يقتلوا به صيدا ويعضدوا شجره ويستحلون إخراجك وقتلك ، وفي تأكيد كون الإنسان في كيد بالقسم تثبيت لرسول اللهصلىاللهعليهوسلم وبعث على أن يطأ من نفسه الكريمة على احتماله فإن ذلك قدر محتوم ، وجوز أن يكون الحل بمعنى الحلال ضد الحرام قال ابن عباس فيما أخرجه عنه ابن جرير وغيره : وأنت يا محمد يحل لك أن تقاتل به. وأما غيرك فلا. وقال مجاهد : أحله الله تعالى له عليه الصلاة والسلام ساعة من نهار وقال سبحانه له ما صنعت فيه من شيء فأنت في حل لا تؤاخذ به ، وروي نحو ذلك عن أبي صالح وقتادة وعطية وابن زيد والحسن والضحاك ولفظه : يقول سبحانه أنت حل بالحرم فاقتل إن شئت أو دع وذلك يوم الفتح ، وقد قتل صلىاللهعليهوسلم يومئذ عبد الله بن خطل وهو الذي كانت قريش تسميه ذا القلبين قدمه أبو برزة سعيد بن حرب الأسلمي فضرب بأمره صلىاللهعليهوسلم عنقه وهو متعلق بأستار الكعبة وكان قد أظهر الإسلام وكتب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم شيئا من الوحي فارتد وشنع على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأن ما يمليه من القرآن منه عليه الصلاة والسلام لا من الله تعالى وقتل غيره أيضا كما هو مذكور في كتب السير ، ثم قال عليه الصلاة والسلام : «إن الله تعالى حرّم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام إلى أن تقوم الساعة لا تحل لأحد قبلي ولن تحل لأحد بعدي ولم تحل لي إلّا ساعة من نهار ، فلا يعضد شجرها ولا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا تحل لقطتها إلّا لمنشد» فقال العباس : يا رسول الله إلّا الإذخر فإنه لقيوننا وقبورنا وبيوتنا فقال عليه الصلاة والسلام : «إلّا الإذخر» وتقديم المسند إليه على هذا للاختصاص كما أشير إليه في خبر ابن عباس. و (حِلٌ) على معنى الاستقبال بناء على أن نزول السورة قبل الهجرة التي هي قبل الفتح بكثير وفي خبر رواه عبد بن حميد عن ابن جبير ما هو ظاهر في أن الآية نزلت بعد أن ضرب أبو برزة عنق ابن خطل يوم الفتح فإن صح لا يكون في معنى الاستقبال لكن الجمهور على الأول ، وفي تعظيم المقسم به وتوكيد المقسم عليه بالإقسام توكيد لما سيق له الكلام وهو على ما ذكر أن عاقبة الاحتمال والمكابدة إلى الفتح والظفر والغرض تسليته صلىاللهعليهوسلم ثم ترشيحها بالتصريح بما سيكون من الغلبة وتعظيم البلد يدل على تعظيم من أحل له وفي الإقسام به توطئة للتسلية لأن تعظيم البلد مما يقترفه أهله من المآثم متحرج بريء منها والمعنى في الإقسام بالبلد تعظيمه ، وفي الاعتراض ترشيح التعظيم والتشريف بكون مثله صلىاللهعليهوسلم في جلالة القدر ومنصب النبوة ساكنا فيه مباينا لما عليه الغاغة والهمج والفائدة فيه تأكيد المقسم عليه بأنهم من أهل الطبع فلا ينفعهم شرف مكان والمتمكن فيه كأنه قيل : أقسم بهذا البلد الطيب بنفسه وبمن سكن فيه أن أهله لفي مرض قلب وشك لا يقادر قدره. وقيل : الحل صفة أو مصدر بمعنى الحال يقال حل أي نزل يحل حلا وحلولا ويقال أيضا هو حل بموضع كذا كما يقال حال به والقول بأن الصفة من الحلول حال لا حل ومصدر حل بمعنى نزل الحلول ، والحل بفتح الحاء والحلل فقط ناشئ من قلة التتبع. والاعتراض لتشريفه صلىاللهعليهوسلم بجعل حلوله عليه الصلاة والسلام مناطا لإعظام البلد بالإقسام به وجعل بعض الأجلّة الجملة على هذا الوجه حالا من هذا البلد وكذا جعلها بعضهم حالية على الوجهين قبل إلّا أن الحال على ثانيهما مقارنة وعلى أولهما مقدرة أو مقارنة إن قيل إن النزول ساعة أحلت مكة وجعلها ابن عطية حالا على الوجه الأول أيضا أعني كون الحل بمعنى المستحل لكن قيده بكون لا نافية غير زائدة فتأمل وأيّا ما كان ففي الإشارة وإقامة الظاهر مقام الضمير من تعظيم البلد ما فيهما.