أبو عبيد وغيره من قولهم حاردت الإبل إذا قلّت ألبانها وحاردت السنة قل مطرها وخيرها والجار متعلق بقوله تعالى (قادِرِينَ) قدم للحصر ورعاية الفواصل أي وغدوا قادرين على منع لا غير والمعنى أنهم عزموا على منع المساكين وطلبوا حرمانهم ونكدهم وهم قادرون على نفعهم فغدوا بحال لا يقدرون فيها إلّا على المنع والحرمان ، وذلك أنهم طلبوا حرمان المساكين فتعجلوا الحرمان أو غدوا على محاردة جنتهم وذهاب خيرها بدل كونهم قادرين على إصابة خيرها ومنافعها أي غدوا حاصلين على حرمان أنفسهم مكان كونهم قادرين على الانتفاع ، والحصر على الأول حقيقي وعلى هذا إضافي بالنسبة إلى انتفاعهم من جنتهم والحرمان عليه خاص بهم ، وجوز أن يكون (عَلى حَرْدٍ) متعلقا بغدوا ، والمراد بالحرد حرد الجنة جيء به مشاكلة للحرث كأنه لما قالوا (اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ) وقد خبثت نيتهم عاقبهم الله تعالى بأن حاردت جنتهم وحرموا خيرها فلم يغدوا على حرث وإنما غدوا على حرد و (قادِرِينَ) من عكس الكلام للتهكم أي قادرين على ما عزموا عليه من الصرام وحرمان المساكين. وقيل الحرد الحرد بفتح الراء وقد قرئ به وهو بمعنى الغيظ والغضب كما قال أبو نصر أحمد بن حاتم صاحب الأصمعي وأنشد :
إذا جياد الخيل جاءت تردي |
|
مملوءة من غضب وحرد |
أي لم يقدروا إلّا على إغضاب بعضهم لبعض كقوله تعالى (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) [القلم : ٣٠] وروي هذا عن سفيان والسدي والحصر حقيقي ادعائي أو إضافي. وقيل بمعنى القصد والسرعة وأنشد :
أقبل سيل جاء من أمر الله |
|
يحرد حرد الجنة المغلة |
أي غدوا قاصدين إلى جنتهم بسرعة قادرين عند أنفسهم على صرامها وروي هذا عن ابن عباس ف (عَلى حَرْدٍ) ظرف مستقر حال من ضمير (غَدَوْا) و (قادِرِينَ) حال أيضا إلّا أنها حال مقدرة على ما قيل وقيل حال حقيقية بناء على القيد بعند أنفسهم وإنما قيد به لأن ثمار جنتهم هالكة فلا قدرة لهم على صرامها وقد فنيت : وقال الأزهري (حَرْدٍ) اسم قريتهم وفي رواية عن السدي اسم جنتهم ولا أظن ذلك مرادا وقيل الحرد الانفراد يقال : حرد عن قومه إذا تنحى عنهم ونزل منفردا وكوكب حرود معتزل عن الكواكب والمعنى وغدوا إلى جنتهم منفردين عن المساكين ليس أحد منهم معهم قادرين على صرامها وهو من باب التهكم ، وقيل قادرين على هذا القول من التقدير بمعنى التضييق أي مضيقين على المساكين إذ حرموهم ما كان أبوهم ينيلهم منها وهو حال مقدرة (فَلَمَّا رَأَوْها) أول ما وقع نظرهم عليها (قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) طريق جنتنا وما هي بها قاله قتادة: وقيل (لَضَالُّونَ) عن الصواب في غدونا على نية منع المساكين وليس بذاك (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) قالوه بعد ما تأملوا ووقفوا على حقيقة الأمر مضربين عن قولهم الأول أي لسنا ضالين (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) حرمنا خيرها بجنايتنا على أنفسنا (قالَ أَوْسَطُهُمْ) أي أحسنهم وأرجحهم عقلا ورأيا أو أوسطهم سنا (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) أي لو لا تذكرون الله تعالى وتتوبون إليه من خبث نيتكم وقد كان قال لهم حين عزموا على ذلك اذكروا الله تعالى وتوبوا إليه عن هذه النية الخبيثة من فوركم وسارعوا إلى حسم شرها قبل حلول النقمة فعصوه فعيرهم ويدل على هذا المعنى قوله تعالى (قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) لأن التسبيح ذكر الله تعالى و (إِنَّا كُنَّا) إلخ ندامة واعتراف بالذنب فهو توبة ، والظاهر أنهم إنما تكلموا بما كان يدعوهم إلى التكلم به على أثر مقارفة الخطيئة ولكن بعد خراب البصرة ، وقيل المراد بالتسبيح الاستثناء