(فَكَذَّبُوهُ) أي في وعيده إياهم كما حكي عنه بقوله تعالى (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [الأعراف : ٧٣] فالتكذيب لخبر مقدر ويجوز أن يكون لخبر تضمنه الأمر التحذيري السابق وهو الخبر بحلول العذاب إن فعلوا ما حذرهم منه وقيل : إن ما قاله لهم من الأمر قاله ناقلا له عن الله تعالى كما يؤذن بذلك التعبير عنه عليهالسلام بعنوان الرسالة ، ومآل ذلك أنه قال لهم إنه قال الله تعالى ناقة الله وسقياها فالتكذيب لذلك وهو وجه لا بأس به (فَعَقَرُوها) أي فنحروها أو فقتلوها وضمير الجمع للأشقى وجمعه على تقدير وحدته لرضا الكل بفعله. قال قتادة : بلغنا أنه لم يعقرها حتى تابعه صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم.
(فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ) فأطبق عليهم العذاب وقالوا : دمدم عليه القبر أي أطبقه وهو مما تكرر فيه الفاء فوزنه فعفل لا فعلل من قولهم : ناقة مدمومة إذا لبسها الشحم وغطاها. وقال في القاموس : معناه أتمّ العذاب عليهم. وقال مؤرخ : الدمدمة إهلاك باستئصال. وفي الصحاح : دمدمت الشيء ألزقته بالأرض وطحطحته. وقرأ ابن الزبير «فدهدم» بهاء بين الدالين والمعنى كما تقدم (بِذَنْبِهِمْ) بسبب ذنبهم المحكي والتصريح بذلك مع دلالة الفاء عليه للإنذار بعاقبة الذنب ليعتبر به كل مذنب (فَسَوَّاها) الضمير للدمدمة المفهومة من دمدم أي فجعل الدمدمة سواء بينهم أو جعلها عليهم سواء فلم يفلت سبحانه منهم أحدا لا صغيرا ولا كبيرا أو هو لثمود والتأنيث باعتبار القبيلة كما في (طغواها) و (أَشْقاها) والمعنى ما ذكر أيضا أو فسواها بالأرض (وَلا يَخافُ) أي الرب عزوجل (عُقْباها) أي عاقبتها وتبعتها كما يخاف المعاقبون من الملوك عاقبة ما يفعلونه وتبعته. وهو استعارة تمثيلية لإهانتهم وأنهم أذلاء عند الله جل جلاله والواو للحال أو للاستئناف ، وجوز أن يكون ضمير (لا يَخافُ) للرسول والواو للاستئناف لا غير على ما هو الظاهر ، أي ولا يخاف الرسول عقبى هذه الفعلة بهم إذ كان قد أنذرهم وحذرهم. وقال السدّي والضحاك ومقاتل والزجاج وأبو علي : الواو للحال والضمير عائد على (أَشْقاها) أي انبعث لعقرها وهو لا يخاف عقبى فعله لكفره وطغيانه وهو أبعد مما قبله بكثير. وقرأ أبيّ والأعرج ونافع وابن عامر «فلا يخاف» بالفاء وقرئ «ولم يخف» بواو وفعل مجزوم بلم. هذا واختلف في هؤلاء القوم هل آمنوا ثم كفروا أو لم يؤمنوا أصلا فالجمهور على الثاني وذهب بعض إلى أنهم آمنوا وبايعوا صالحا مدة ثم كذبوه وكفروا فأهلكوا بما فصّل في موضع آخر. وقال الشيخ الأكبر محيي الدين قدسسره في فصوصه : إنهم وقوم لوط عليهالسلام لا نجاة لهم يوم القيامة بوجه من الوجوه ولم يساو غيرهم من الأمم المكذبة المهلكة في الدنيا كقوم نوح عليهالسلام بهم. ولكلامه قدسسره أهل يفهمونه فارجع إليهم في فهمه إن وجدتهم. وذكر بعض أهل التأويل أن (الشَّمْسِ) إشارة إلى ذات واجب الوجود سبحانه وتعالى (وَضُحاها) إشارة إلى الحقيقة المحمدية (وَالْقَمَرِ) إشارة إلى ماهية الممكن المستفيدة للوجود من شمس الذات (وَالنَّهارِ) إشارة إلى العالم بسائر أنواعه الذي ظهرت به صفات جمال الذات وجلاله وكماله (وَاللَّيْلِ) إشارة إلى العالم بسائر أنواعه الذي ظهرت بر صفات جمال الذات وجلاله وكماله (وَاللَّيْلِ) إلى وجود ما يشاهد من أنواع الممكنات الساتر في أعين المحجوبين للوجود الحق (وَالسَّماءِ) إشارة إلى عالم العقل (وَالْأَرْضِ) إشارة إلى عالم الجسم والنفس معلومة و (ناقَةَ اللهِ) إشارة إلى راحلة الشوق الموصولة إلى سبحانه (وَسُقْياها) إشارة إلى مشربها من عين الذكر والفكر وقال بعض : آخر الشمس إشارة إلى الوجود الحق الذي هو عين الواجب تعالى فهو أظهر من الشمس الله نور السماوات والأرض. وقال شيخ مشايخنا البندنيجي قدسسره :