شأنها أن تجزى وتكافأ فيقصد بإيتاء ما يؤتى مجازاتها ويعلم مما ذكر أن بناء (تُجْزى) للمفعول لأن القصد ليس لفاعل معين وقيل إن ذلك لكونه فاصلة وأصله يجز به إياها أو يجزيها إياه (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) منصوب على الاستثناء المنقطع من نعمة لأن الابتغاء لا يندرج فيها فالمعنى لكنه فعل ذلك لابتغاء وجه ربه سبحانه وطلب رضاه عزوجل لا لمكافأة نعمة. وقرأ يحيى بن وثاب «ابتغاء» بالرفع على البدل من محل «من نعمة» فإنه الرفع إما على الفاعلية أو على الابتداء ومن مزيدة والرفع في مثل ذلك لغة تميم وعليها قوله :
وبلدة ليس بها أنيس |
|
إلّا اليعافير وإلّا العيس |
وروي بالرفع والنصب على ما في البحر قول بشر بن أبي حازم :
أضحت خلاء قفارا لا أنيس بها |
|
إلا الجآذر والظلمان تختلف |
وجوز أن يكون نصبه على أنه مفعول له على المعنى لأن معنى الكلام لا يؤتى ما له لأجل شيء من الأشياء إلّا لأجل طلب رضا ربه عزوجل لا لمكافأة نعمة فهو استثناء مفرغ من أعم العلل والأسباب ، وإنما أول لأن الكلام أعني (يُؤْتِي مالَهُ) موجب والاستثناء المفرغ يختص بالنفي عند الجمهور لكنه لما عقب بقوله تعالى (وَما لِأَحَدٍ) وقد قال سبحانه أو لا (يَتَزَكَّى) متضمنا نفي الرياء والسمعة دل على المعنى المذكور. وقرأ ابن أبي عبلة «إلا ابتغا» مقصور وفيه احتمال. النصب والرفع. وهذه الآيات على ما ما سمعت نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه لما أنه كان يعتق رقابا ضعافا فقال له أبوه ما قال وأجابه هو بما أجاب ، وقد أوضحت ما أبهمه رضي الله تعالى عنه في قوله فيه إنما أريد ما أريد. وفي رواية ابن جرير وابن عساكر أنه قال : أي أبه إنما أريد ما عند الله تعالى. وفي رواية عطاء والضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه اشترى بلالا وكان رقيقا لأمية بن خلف يعذبه لإسلامه برطل من ذهب فأعتقه فقال المشركون : ما أعتقه أبو بكر إلّا ليد كانت له عنده فنزلت وهو رضي الله تعالى عنه أحد الذين عذبوا لإسلامهم فاشتراهم الصديق وأعتقهم. فقد أخرج ابن أبي حاتم عن عروة أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أعتق سبعة كلهم يعذب في الله عزوجل بلال وعامر بن فهيرة والنهدية وابنتها ودنيرة وأم عبيس وأمة بني المؤمل وفيه نزلت (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) إلى آخر السورة واستدل بذلك الإمام على أنه رضي الله تعالى عنه أفضل الأمة وذكر أن في الآيات ما يأبى قول الشيعة أنها في علي كرم الله تعال وجهه وأطال الكلام في ذلك وأتى بما لا يخلو عن قيل وقال وقوله تعالى (وَلَسَوْفَ يَرْضى) جواب قسم مضمر أي وبالله لسوف يرضى والضمير فيه للأتقى المحدث عنه وهو وعد كريم بنيل جميع ما يبتغيه على أكمل الوجوه وأجملها إذ به يتحقق الرضا وجوز الإمام كون الضمير للرب تعالى حيث قال بعد أن فسر الجملة على رجوعه للأتقى وفيه عندي وجه آخر وهو أن المراد أنه ما أنفق إلّا لطلب رضوان الله تعالى ولسوف يرضى الله تعالى عنه وهذا عندي أعظم من الأول لأن رضا الله سبحانه عن عبده أكمل للعبد من رضاه عن ربه عزوجل ، وبالجملة فلا بد من حصول الأمرين كما قال سبحانه (راضِيَةً مَرْضِيَّةً) [الفجر : ٢٨] انتهى. والظاهر هو الأول وقد قرئ «ولسوف يرضى» بالبناء للمفعول من الإرضاء وما أشار إليه في معنى (راضِيَةً مَرْضِيَّةً) غير متعين كما سمعت وفي هذه الجملة كلام يعلم مما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى.