جلاله أو في جوار قدسه (جَنَّاتِ النَّعِيمِ) جنات ليس فيها إلا النعيم الخالص عن شائبة ما ينغصه من الكدورات وخوف الزوال وأخذ الحصر من الإضافة إلى (النَّعِيمِ) لإفادتها التميز من جنات الدنيا لغالب عليها النغص :
طبعت على كدر وأنت تريدها |
|
صفوا من الأقذار والأكدار |
وقوله تعالى (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) تقرير لما قبله من فوز المتقين ورد لما يقوله الكفرة عند سماعهم بحديث الآخرة وما وعد الله تعالى إن صح أنا نبعث كما يزعم محمد صلىاللهعليهوسلم ومن معه لم يكن حالنا وحالهم إلا مثل ما هي في الدنيا وإلّا لم يزيدوا علينا ولم يفضلونا ، وأقصى أمرهم أن يساوونا والهمزة للإنكار والفاء للعطف والعطف على مقدر يقتضيه المقال أي فيحيف في الحكم الحكم فيجعل المسلمين كالكافرين ثم قيل لهم بطريق الالتفات لتأكيد الرد وتشديده (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) تعجبا من حكمهم واستبعادا له وإيذانا بأنه لا يصدر من عاقل إذ معنى (ما لَكُمْ) أي شيء حصل لكم من خلل الفكر وفساد الرأي (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ) نازل من السماء (فِيهِ) أي في الكتاب والجار متعلق بقوله تعالى (تَدْرُسُونَ) أي تقرءون فيه والجملة صفة كتاب وجوز أن يكون فيه متعلقا بمتعلق الخبر أو هو الصفة والضمير للحكم أو الأمر و (تَدْرُسُونَ) مستأنف أو حال من ضمير الخطاب وقوله تعالى (إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ) أي للذي تختارونه وتشتهونه يقال : تخير الشيء واختاره أخذ خيره وشاع في أخذ ما يريده مطلقا مفعول (تَدْرُسُونَ) إذ هو المدروس فهو واقع موقع المفرد وأصله أن لكم فيه ما تخيرون بفتح همزة «أن» وترك اللام في خبرها فلما جيء باللام كسرت الهمزة وعلق الفعل عن العمل ومن هنا قيل إنه لا بد من تضمين (تَدْرُسُونَ) معنى العلم ليجري فيه العمل في الجمل والتعليق وجوز أن يكون هذا حكاية للمدروس كما هو عليه فيكون بعينه لفظ الكتاب من غير تحويل من الفتح للكسر وضمير (فِيهِ) على الأول للكتاب وأعيد للتأكيد وعلى هذا يعود لأمرهم أو للحكم فيكون محصل ما خط في الكتاب أو الحكم أو الأمر مفوض لهم فسقط قول صاحب التقريب أن لفظ (فِيهِ) لا يساعده للاستغناء بفيه أولا من غير حاجة إلى جعل ضمير (فِيهِ) ليوم القيامة بقرينة المقام أو للمكان المدلول عليه بقوله تعالى (عِنْدَ رَبِّهِمْ) وعلى الاستئناف هو للحكم أيضا وجوز الوقف على (تَدْرُسُونَ) على أن قوله تعالى (إِنَّ لَكُمْ) إلخ استئناف على معنى إن كان لكم كتاب فلكم فيه ما تتخيرون وهو كما ترى. والظاهر أن (أَمْ لَكُمْ) إلخ مقابل لما قبله نظرا لحاصل المعنى إذ محصله أفسد عقلكم حتى حكمتكم بهذا أم جاءكم كتاب فيه تخييركم وتفويض الأمر إليكم وقرأ طلحة والضحاك «أن لكم» بفتح الهمزة واللام في (لَما) زائدة كقراءة من قرأ «الا انهم ليأكلون الطعام» (١) بفتح همزة أنهم وقرأ الأعرج «أن لكم» بالاستفهام على الاستئناف (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا) أي إقسام ، وفسرت بالعهود وإطلاق الإيمان عليها من إطلاق الجزء على الكل أو اللازم على الملزوم (بالِغَةٌ) أي أقصى ما يمكن ، والمراد متناهية في التوكيد. وقرأ الحسن وزيد بن علي «بالغة» بالنصب على الحال من الضمير المستتر في (عَلَيْنا) أو (لَكُمْ) وقال ابن عطية من إيمان لتخصيصها بالوصف وفيه بعد (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) متعلق بالمقدر في (لَكُمْ) أي ثابتة لكم إلى يوم القيامة لا نخرج عن عهدتها إلا يومئذ إذا حكمناكم وأعطيناكم ما تحكمون أو
__________________
(١) سورة الفرقان ، الآية : ٢٠.