أما وجدك وحدك ليس معك أحد فهدى الناس إليك ولم يتركك منفردا. وقال الجنيد قدسسره : أي وجدك متحيرا في بيان الكتاب المنزل عليك فهداك لبيانه وفيه قرب ما من الأول. وقال بعضهم : وجدك غافلا عن قدر نفسك فأطلعك على عظيم محلك. وقيل : وجدك ضالا عن معنى محض المودة فسقاك كأسا من شراب القربة والمودة فهداك به إلى معرفته عزوجل. وقال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه : كنت ضالا عن محبتي لك في الأزل فمننت عليك بمعرفتي وهو قريب من سابقه. وقال الحريري : أي وجدك مترددا في غوامض معاني المحبة فهداك لها وهو أيضا كذلك وكل ذلك منزع صوفي. ورأى أبو حيان في منامه أن الكلام على حذف مضاف والمعنى ووجد رهطك ضالا فهدى بك وهو كما ترى في يقظتك.
وقوله تعالى (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) على نمط سابق والعائل المفتقر من عال يعيل عيلا وعيلة وعيولا ومعيلا افتقر أي وجدك عديم المقتنيات فأغناك بما حصل لك من ربح التجارة وذلك في سفره صلىاللهعليهوسلم مع ميسرة إلى الشام وبما وهبته لك خديجة رضي الله تعالى عنها من المال وكانت ذا مال كثير فلما تزوجها عليه الصلاة والسلام وهبته جميعه له صلىاللهعليهوسلم لئلا يقول قائل ما يثقل على سمعه الشريف عليه الصلاة والسلام وبمال أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وكان أيضا ذا مال فأتى به كله رسول الله فقال عليه الصلاة والسلام : «ما تركت لعيالك»؟ فقال : تركت الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم. وقيل بما أفاء عليك من الغنائم وفيه أن السورة مكية والغنائم إنما كانت بعد الهجرة وقيل المراد قنعك وأغنى قبلك فإن غنى القلب هو الغنى ، وقد قيل من عدم القناعة لم يفده المال غنى ، وقيل أغناك به عزوجل عما سواه وهذا الغنى بالافتقار إليه تعالى. وفي الحديث «اللهم أغنني بالافتقار إليك ولا تفقرني بالاستغناء عنك» وبهذا ألمّ بعض الشعراء فقال :
ويعجبني فقري إليك ولم يكن |
|
ليعجبني لو لا محبتك الفقر |
وشاع حديث «الفقر فخري» وحمل الفقر فيه على هذا المعنى وهو على ما قال ابن حجر باطل موضوع وأشد منه وضعا وبطلانا ما يذكره بعض المتصوفة إذا تمّ الفقر فهو الله سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا وقد خاضوا في بيان المراد به بما لا يدفع بشاعته بل لا يقتضي استقامته. وقيل (عائِلاً) أي ذا عيال من عال يعول عولا وعيالة كثير عياله ، ويحتمل المعنيين قول جرير :
الله نزل في الكتاب فريضة |
|
لابن السبيل وللفقير العائل |
ولعل الثاني فيه أظهر ورجح الأول في الآية بقراءة ابن مسعود «عديما» وأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن ذا عيال في أول أمره صلىاللهعليهوسلم. وقرأ اليماني «عيلا» كسيدا بشد الياء المكسورة هذا وذكر عصام الدين في هذه الآيات أنه يحتمل أن يراد باليتيم فاقد المعلم فإن الآباء ثلاثة من علمك ومن زوجك ومن ولدك ، ويناسبه حمل الضلال على الضلال عن العلم ، وحمل العيال أي على تفسير (عائِلاً) بذا عيال على عيال الأمة الطالبة منه معرفة مصالح الدين مع احتياجه إلى المعرفة فأغناه الله تعالى بالوحي إليه عليه الصلاة والسلام ولا يخفى ما فيه. وحذف المفعول في الأفعال الثلاثة لظهور المراد مع رعاية الفواصل. وقيل : ليدل على سعة الكرم والمراد آواك وآوى لك وبك وهداك ولك وبك وأغناك ولك وبك وظاهر الفاء مع تلك الأفعال تأبى ذلك. وأطال الإمام الكلام في الآيات وأتى فيها بغث وسمين ولو لا خشية الملل لذكرنا ما فيه.
(فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) فلا تستذله كما قال ابن سلام وقريب منه قول مجاهد لا تحتقر. وقال سفيان: لا تظلمه بتضييع ماله وفي معناه ما قيل لا تغلبه على ماله ، ولعل التقييد لمراعاة الغالب والأولى حمل القهر