اعتقادا وإنكارا إليك ولا ألزمك الاعتقاد فما أريد أن أشق عليك. وقال بعض الأجلّة : لعل ذلك من باب التمثيل إذ تمثيل المعاني قد وقع كثيرا كما مثل له عليه الصلاة والسلام الجنة والنار في عرض حائط مسجده الشريف ، وفائدته كشف المعنوي بالمحسوس وهو ميل إلى عدم الوقوع حقيقة. وقد قال غير واحد : جميع ما ورد من الشرق وإخراج القلب وغيرهما يجب الإيمان به وإن كان خارقا للعادة ولا يجوز تأويله لصلاحية القدرة له ، ومن زعم ذلك وقع في هوة المعتزلة في تأويلهم نصوص سؤال الملكين وعذاب القبر ووزن الأعمال والصراط وغير ذلك بالتشهي ، وأما حكمة ذلك مع إمكان إيجاد ما ترتب عليه بدونه فقد أطالوا الكلام في بأنها في موضعه. نعم حمل الشرح في الآية على ذلك الشق ضعيف عند المحققين والتعبير عن ثبوت الشرح بالاستفهام الإنكاري عن انتفائه للإيذان بأن ثبوته من الظهور بحيث لا يقدر أحد أن يجيب عنه بغير بلى ، وإسناد الفعل إلى ضمير العظمة للإيذان بعظمته وجلالة قدره وزيادة الجار والمجرور مع توسيطه بين الفعل ومفعوله للإيذان من أول الأمر بأن الشرح من منافعه عليه الصلاة والسلام ومصالحه مسارعة إلى إدخال المسرة في قلبه الشريف صلىاللهعليهوسلم وتشويقا له عليه الصلاة والسلام إلى ما يعقبه ليتمكن عنده وقت وروده فضل تمكن. وقرأ أبو جعفر المنصور «ألم نشرح» بفتح الحاء وخرجه ابن عطية وجماعة على أن الأصل «ألم نشرحن» بنون التأكيد الخفيفة فأبدل من النون ألفا ثم حذفها تخفيفا كما في قوله :
اضرب عنك الهموم طارقها |
|
ضربك بالسيف قونس الفرس |
ولا يخفى أن الحذف هنا أضعف مما في البيت لأن ذلك في الأمر وهذا في النفي ، ولهذا روى ابن جني في المنتفى عن أبي مجاهد أنه غير جائز أصلا فنون التوكيد أشبه شيء به الإسهاب والإطناب لا الإيجاز والاختصار ، والبيت يقال إنه مصنوع والأولى في التمثيل ما أنشده أبو زيد في نوادره :
من أي يومي من الموت أفر |
|
أيوم لم يقدر أم يوم قدر |
وقال غير واحد : لعل أبا جعفر بيّن الحاء وأشبعها في مخرجها فظن السامع أنه فتحها. وفي البحر أن لهذه القراءة تخريجا أحسن مما ذكر وهو أن الفتح على لغة بعض العرب من النصب بلم ، فقد حكى اللحياني في نوادره أن منهم من ينصب بها ويجزم بلن عكس المعروف عند الناس ، وعلى ذلك قول عائشة بنت الأعجم تمدح المختار بن أبي عبيد :
في كل ما همّ أمضى رأيه قدما |
|
ولم يشاور في الأمر الذي فعلا |
وخرجها بعضهم على أن الفتح لمحاورة ما بعدها كالكسر في قراءة الحمد لله بالجر وهو لا يتأتى في بيت عائشة ويتأتى فيما عداه مما مر. وقوله تعالى (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) عطف على ما أشير إليه من مدلول الجملة السابقة كأنه قيل قد شرحنا لك صدرك ووضعنا إلخ. و (عَنْكَ) متعلق ب (وَضَعْنا) وتقديمه على المفعول الصريح لما مر من القصد إلى تعجيل المسرة والتشويق إلى المؤخر ، ولما أن في وصفه نوع طول فتأخير الجار والمجرور عنه مخل بتجاوب أطراف النظم الكريم ، والوزر الحمل الثقيل أي وحططنا عنك حملك الثقيل (الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) أي حمله على النقيض وهو صوت الانتقاض والانفكاك أعني الصرير ولا يختص بصوت المحامل والرجال بل يضاف إلى المفاصل فيقال : نقيض المفاصل ويراد صوتها فنقيض الظهر ما يسمع من مفاصله من الصوت لثقل الحمل وعليه قول عباس بن مرداس :
وأنقض ظهري ما تطويت منهم |
|
وكنت عليهم مشفقا متحننا |