يتخوف منهم فكتب إليه عمر رضي الله تعالى عنه : أما بعد فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن شدة يجعل الله تعالى بعده فرجا ولن يغلب عسر يسرين ، لا يحسم الإشكال إذ يبقى معه أن من عسر المؤمن ما لا يعقبه يسر دنيوي كما هو ظاهر بل منه ما لا يعقبه يسر أخروي أيضا وذلك كعسر المؤمن الجازع فإنه لا يثاب عليه في الآخرة. والظاهر من اليسر الأخروي هو الثواب فيها على ذلك العسر وإرادة المؤمن الصابر يبقى معها أن من عسره أيضا ما لا يعقبه اليسر الدنيوي وأجاب بعض على الوجه التأكيد بأن الاستغراق عرفي ، ويكفي فيه أن العسر في الغالب يعقبه يسر. وعلى وجه التأسيس بهذا مع كون الحكم بالنسبة للمؤمنين الصابر وآخر بأن الحكم مشروط بمشيئته تعالى وأن لم تذكر قيل : ويشعر بذلك ما أخرجه عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال : ذكر لنا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بشر بهذه الآية أصحابه فقال عليه الصلاة والسلام : «لن يغلب عسر إن شاء الله تعالى يسرين». ويفهم من كلام بعض الأفاضل أنه يجوز على وجه التأكيد أن يكون مع على ظاهرها والتنوين في (يُسْراً) للنوعية ولا إشكال في الاستغراق إذ لا يخلو المرء في حال العسر عن نوع من اليسر وأقله دفع ما هو أعظم مما أصابه عنه. ويجوز أن يكون التنوين للتفخيم أيضا ويكون اليسر العظيم المقارن للعسر هو دفع ذلك الأعظم وما من عسر إلّا وعند الله تعالى أعظم منه وأعظم وأنه لا يأبى ذلك لن يغلب عسر يسرين ، إما لأن المعنى لن يغلب فرد من أفراد العسر ذكر اليسر مرتين في مقام التسلية ، أو لأن الآية أفادت أن مع العسر يسرا وقد علم أن بعده آخر على ما جرت به العادة الغالبة أو فهم من قوله تعالى (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) [الطلاق : ٧] إن كان نزوله متقدما. وذكر بعضهم أن المعية على حقيقتها عند الخاصة على معنى أن كل ما فعل المحبوب محبوب كما يشير إليه قول الشيخ عمر بن الفارض قدسسره :
وتعذيبكم عذب لديّ وجوركم |
|
عليّ بما يقضي الهوى لكم عدل |
وقول الآخر :
بر جانم از تو هر چه رسد جاى منت است |
|
گر ناوك جفاست وگر خنجر ستم |
وتسمية ذلك عسرا لأنه في نفسه وعند العامة كذلك لا بالنسبة إلى من أصابه من المحبين المستعذبين له والكل كما ترى ، ثم إنه يبعد إرادة المعية الحقيقية ما أخرج البزار وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم والبيهقي في الشعب عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم جالسا وحياله حجر فقال عليه الصلاة والسلام : «لو جاء العسر فدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه». فأنزل الله تعالى (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) إلخ. ولفظ الطبراني وتلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) وإرادة العهد أسلم من القيل والقال ، وكأن من اختاره اختاره لذلك مع الاستئناس له بسبب النزول ، لكن الذي يقتضيه الظواهر ومقاماتها الخطابية الاستغراق فإذا قيل به فلا بد من التقييد بكون من أصابه العسر واثقا بالله تعالى حسن الرجاء به عزوجل منقطعا إليه سبحانه أو بنحو ذلك من القيود فتدبر والله تعالى الميسر لكل ما يتعسر. وقرأ ابن وثاب وأبو جعفر وعيسى «العسر» و «يسرا» في الموضعين بضم السين. (فَإِذا فَرَغْتَ) أي من عبادة كتبليغ الوحي (فَانْصَبْ) فاتعب في عبادة أخرى شكرا لما عددنا عليك من النعم السالفة ووعدناك من الآلاء الآنفة كأنه عزوجل لما عدد عليه ما عدد ووعده صلىاللهعليهوسلم بما وعد بعثه على الشكر والاجتهاد في العبادة وأن لا يخلي وقتا من أوقاته منها فإذا فرغ من عبادة أتبعها بأخرى (وَإِلى رَبِّكَ) وحده (فَارْغَبْ) فاحرص بالسؤال ولا