أدل على كمال القدرة لكونهما أبعد منه بالنسبة إلى الإنسانية. وفي البحر لم يذكر سبحانه مادة الأصل آدم يعني آدم عليهالسلام وهو التراب لأن خلقه من ذلك لم يكن متقررا عند الكفار فذكر مادة الفرع وخلقه منها وترك مادة أصل الخلقة تقريبا لإفهامهم وهو على ما فيه لا يحسم مادة السؤال. وقيل : خص هذا الطور تذكيرا له عليه الصلاة والسلام لما وقع من شرح الصدر قبل النبوة وإخراج العلق منه ليتهيأ تهيئا تاما لما يكون له بعد فكأنه قيل الذي خلق الإنسان من جنس ما أخرجه من صدرك الشريف ليهيئك بذلك لمثل ما يلقى إليك الآن وبهذا تقوى مناسبة هذه السورة لسورة الشرح قبلها أتم مناسبة لا سيما على تفسير الشرح بالشق فتدبره. ومن الناس من زعم أن المراد بالإنسان آدم عليهالسلام وأن المعنى خلق آدم من طين يعلق باليد وهو مما لا تعلق به يد القبول ، ولما كان خلق الإنسان أول النعم الفائضة عليه منه تعالى وأقدم الدلائل الدالّة على وجوده عزوجل وكمال قدرته وعلمه وحكمته سبحانه وصف ذاته تعالى بذلك أولا ليستشهد عليه الصلاة والسلام به على تمكينه تعالى له من القراءة.
ثم كرر جل وعلا الأمر بقوله تعالى (اقْرَأْ) أي افعل ما أمرت به تأكيدا للإيجاب وتمهيدا لما يعقبه من قوله تعالى : (وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) إلخ فإنه كلام مستأنف وأراد لإزاحة ما بيّنه صلىاللهعليهوسلم من العذر بقوله عليهالسلام لجبريل عليه الصلاة والسلام حين قال له اقرأ فقال : «ما أنا بقارئ» يريد أن القراءة شأن من يكتب ويقرأ وأنا أمي فقيل (وَرَبُّكَ) الذي أمرك بالقراءة مفتتحا ومبتدأ باسمه (الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) أي علم ما علم بواسطة القلم لا غيره تعالى ، فكما علم سبحانه القارئ بواسطة الكتابة بالقلم يعلمك بدونها. وحقيقة الكرم إعطاء ما ينبغي لا لغرض فهو صفة لا يشاركه تعالى في إطلاقها أحد فافعل للمبالغة وجوز أن لا يكون اقرأ هذا تأكيدا للأول وإنما ذكر ليوصل به ما يزيح العذر. فجملة (وَرَبُّكَ) إلخ في موضع الحال من الضمير المستتر فيه. وقوله تعالى (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) بدل اشتمال من علم بالقلم أي علمه به وبدونه من الأمور الكلية والجزئية والجلية والخفية ما لم يخطر بباله ، في حذف المفعول أولا وإيراده بعنوان عدم المعلومية ثانيا من الدلالة على كمال قدرته تعالى وكمال كرمه عزوجل والإشعار بأنه تعالى يعلمه عليه الصلاة والسلام من العلوم ما لا يحيط به العقول ما لا يخفى قاله في الإرشاد. وقدر بعضهم مفعول علم الخط وجعل بالقلم متعلقا به وأيد بقراءة ابن الزبير الذي علم الخط بالقلم حيث صرح فيها بذلك وقال الجبائي إن (اقْرَأْ) الأول أمر بالقراءة لنفسه وقيل مطلقا والثاني أمر بالقراءة للتبليغ ، وقيل في الصلاة المشار إليها فيما بعد. وجملة (وَرَبُّكَ) إلخ تحتمل الحالية والاستئنافية ، وحاصل المعنى على إرادة القراءة للتبليغ في قول بلغ قومك (وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) الذي يثيبك على عملك بما يقتضيه كرمه ويقويك على حفظ القرآن لتبلغه. وأولى الأوجه وأظهرها التأكيد وأبعد بعضهم جدا فزعم أن بسم في البسملة متعلق باقرأ الأول ، وباسم ربك متعلق باقرأ الثاني ليفيد التقديم اختصاص اسم الله تعالى بالابتداء. وجوز أيضا أن يبقى باسم الله على ما هو المشهور فيه واقرأ أمر بإحداث القراءة وباسم ربك متعلق باقرأ الثاني لذلك ولا يخفى أن الظاهر تعلق باسم ربك بما عنده وتقديم الفعل هاهنا أوقع لأن السورة المذكورة على ما سبق من التصحيح أول سورة نزلت فالقراءة فيها أهم نظرا للمقام. وقيل إنه لو سلم كون غيرها نازلا قبلها لا يضر في حسن تقديم الفعل لأن المعنى كما سمعت عن قتادة اقرأ مفتتحا باسم ربك أي قل باسم الله ثم اقرأ فلو افتتح بغير البسملة لم يكن ممتثلا فضلا عن أن يفتتح بما يضادها من أسماء الأصنام ، ولو قدم أفاد معنى آخر وهو أن المطلوب عند القراءة أن يكون الافتتاح باسم