أنصفوا بما في حيّز الصلة بخصوصهم وزعم بعضهم أنهم مخصوصون. فقد أخرج ابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه قال : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ألم تسمع قول الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ)؟ هم أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جثت الأمم للحساب يدعون غرا محجلين» وروى نحوه الإمامية عن يزيد بن شراحيل الأنصاري كاتب الأمير كرم الله تعالى وجهه. وفيه أنه عليه الصلاة والسلام قال ذلك له عند الوفاة ورأسه الشريف على صدره رضي الله تعالى عنه. وأخرج ابن مردويه أيضا عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) إلخ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعلي رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه : «هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين». وذلك ظاهر في التخصيص وكذا ما ذكره الطبرسي الإمامي في مجمع البيان عن مقاتل ابن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال في الآية : نزلت في عليّ كرم الله تعالى وجهه وأهل بيته. وهذا إن سلمت صحته لا محذور فيه إذ لا يستدعي التخصيص بل الدخول في العموم وهم بلا شبهة داخلون فيه دخولا أوليا وأما ما تقدم فلا تسلم صحته فإنه يلزم عليه أن يكون علي كرم الله تعالى وجهه خيرا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم والإمامية وإن قالوا إنه رضي الله تعالى عنه خير من الأنبياء حتى أولي العزم عليهمالسلام ومن الملائكة حتى المقربين عليهمالسلام لا يقولون بخيريته من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإن قالوا بأن البرية على ذلك مخصوصة بمن عداه عليه الصلاة والسلام للدليل الدال على أنه صلىاللهعليهوسلم خير منه كرم الله تعالى وجهه قيل إنها مخصوصة أيضا بمن عدا الأنبياء والملائكة ومن قال أهل السنة بخيريته للدليل الدال على خيريتهم. وبالجملة لا ينبغي أن يرتاب في عدم تخصيص الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالأمير كرم الله تعالى وجهه وشيعته ولا به رضي الله تعالى عنه وأهل بيته وإن دون إثبات صحة تلك الأخبار خرط القتاد والله تعالى أعلم.
ثم إن الروايات في أن هذه السورة قد نسخ منها كثير كثيرة منها أخرج الإمام أحمد والترمذي والحاكم وصححه عن أبيّ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله تعالى أمرني أن أقرأ عليك القرآن» فقرأ عليه الصلاة والسلام (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) فقرأ فيها : «ولو أن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيه يسأل ثانيا ، ولو سأل ثانيا فأعطيه يسأل ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب ويتوب الله على من تاب وإن الدين عند الله الحنيفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ومن يفعل ذلك فلن يكفره». وفي بعض الآثار أن النبي صلىاللهعليهوسلم اقرأه هكذا ما كان الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة إن أقوم الدين الحنيفية مسلمة غير مشركة ولا يهودية ولا نصرانية ومن يعمل صالحا فلن يكفره وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلّا من بعد ما جاءتهم البينة إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وفارقوا الكتاب لما جاءهم أولئك عند الله شر البرية ما كان الناس إلّا أمة واحدة ثم أرسل الله النبيين مبشرين ومنذرين يأمرون الناس يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويعبدون الله وحده أولئك عند الله خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه. أخرج ذلك ابن مردويه عن أبيّ رضي الله تعالى عنه وهو مخالف لما صح عنه فلا يعول عليه كما لا يخفى على العارف بعلم الحديث.