الصدور مقابل الورود فيردون المحشر ويصدرون منه متفرقين فقوم إلى الجنة وقوم إلى النار ليروا جزاء أعمالهم من الجنة والنار وليس بذاك. وأيّا ما كان فقوله تعالى (لِيُرَوْا) متعلق ب (يَصْدُرُ) وقيل : هو متعلق ب (أَوْحى لَها) وما بينهما اعتراض. وقرأ الحسن والأعرج وقتادة وحماد بن سلمة والزهري وأبو حيوة وعيسى ونافع في رواية «ليروا» بفتح الياء. وقوله تعالى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) تفصيل ليروا والذرة نملة صغيرة حمراء رقيقة ويقال إنها تجري إذا مضى لها حول وهي علم في القلة. قال امرؤ القيس.
من القاصرات الطرف لو دب محول |
|
من الذر فوق الإتب منها لأثرا |
وقيل : الذر ما يرى في شعاع الشمس من الهباء. وأخرج هناد عن ابن عباس أنه أدخل يده في التراب ثم رفعها ثم نفخ فيها. وقال : كل واحدة من هؤلاء مثقال ذرة وانتصاب (خَيْراً) و (شَرًّا) على التمييز لأن مثقال ذرة مقدار. وقيل على البدلية من (مِثْقالَ) والظاهر أن (مَنْ) في الموضعين عامة للمؤمن والكافر وأن المراد من رؤية ما يعادل مثقال ذرة من خير أو شر مشاهدة جزائه بأن يحصل له ذلك. واستشكل بأن ذلك يقتضي إثابة الكافر بحسناته وما يفعله من الخير مع أنهم قالوا : أعمال الكفرة محبطة وادعى في شرح المقاصد الإجماع على ذلك كيف وقد قال سبحانه (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) [الفرقان : ٢٣] وقال عزوجل (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [هود : ١٦] وقال تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ) الآية. [إبراهيم : ١٨] وكون خيرهم الذي يرونه تخفيف العذاب يدفعه قوله تعالى (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ) [البقرة : ٨٦ ، النحل : ٨٥] وقوله سبحانه (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ) [النحل : ٨٨] ويقتضي أيضا عقاب المؤمن بصغائره إذا اجتنب الكبائر مع أنهم قالوا إنها مكفرة حينئذ لقوله تعالى (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) [النساء : ٣١] وقول ابن المنير : إن الاجتناب لا يوجب التكفير عند الجماعة بل التوبة أو مشيئة الله تعالى ليس بشيء لأن التوبة والاجتناب سواء في حكم النص ومشيئة الله تعالى هي السبب الأصيل فالتزم بعضهم كون المراد بمن الأولى السعداء ، وبمن الثانية الأشقياء بناء على أن (فَمَنْ يَعْمَلْ) إلخ تفصيل ل (يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً) وكان مفسرا بما حاصله (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى : ٧٠] فالمناسب أن يرجع كل فقرة إلى فرقة لتطابق المفصل المجمل ولأن الظاهر قوله سبحانه (فَمَنْ يَعْمَلْ وَمَنْ يَعْمَلْ) بتكرير أداة الشرط يقتضي التغاير بين العاملين وقال آخرون بالعموم إلّا أن منهم من قال : في الكلام قيد مقدر ترك لظهوره والعلم به من آيات أخر. فالتقدير : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره إن لم يحبط ومن يعلم مثقال ذرة شرا يره إن لم يكفر. ومنهم من جعل الرؤية أعم مما تكون في الدنيا وما تكون في الآخرة ، فالكافر يرى جزاء خيره في الدنيا وجزاء شره في الآخرة والمؤمن يرى جزاء شره في الدنيا وجزاء خيره في الآخرة فقد روى البغوي وابن جرير وابن المنذر وغيرهم عن محمد بن كعب القرظي أنه قال : فمن يعمل مثقال ذرة من خير وهو كافر فإنه يرى ثواب ذلك في الدنيا في نفسه وأهله وماله حتى يبلغ الآخرة وليس عليه فيها خير ، ومن يعمل مثقال ذرة من شر وهو مؤمن كوفئ ذلك في الدنيا في نفسه وأهله وماله حتى يبلغ الآخرة وليس عليه فيها شر.
وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب وابن أبي حاتم وجماعة عن أنس قال : بينما أبو بكر