فالكيفيات أربع وستظهر حقيقة الحال بالعيان وهو كما قال القرطبي لا يكون في حق كل أحد لما في الحديث الصحيح «فيقال : يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن» الحديث. وأحرى الأنبياء عليهمالسلام وقوله سبحانه (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) [الرحمن : ٤١] وإنما يبقى الوزن لمن شاء الله تعالى من الفريقين وذكر القاضي منذر بن سعيد البلوطي أن أهل الصبر لا توزن أعمالهم وإنما يصب لهم الأجر صبا. والظاهر أنه يدرج المنافق في الكافر والحق أن أعمالهم مطلقا توزن لظواهر الآيات والأحاديث الكثيرة. والمراد في الآية وزنا نافعا. والصحيح أن الجن مؤمنهم وكافرهم كالإنس في هذا الشأن كما قرر في محله. والتقسيم فيما نحن فيه على ما سمعت عن القرطبي بالنسبة إلى من توزن أعماله لا بالنسبة إلى الناس مطلقا. وأنكر المعتزلة الوزن حقيقة وجماعة من أهل السنة والجماعة منهم مجاهد والضحاك والأعمش قالوا : إن الأعمال أعراض إن أمكن بقاؤها لا يمكن وزنها فالوزن عبارة عن القضاء السوي والحكم العادل ، وجوزوا فيما هنا أن تكون الموازين جمع موزون وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله تعالى وأن معنى ثقلها رجحانها وروي هذا عن الفراء أي فمن ترجحت مقادير حسناته ورتبها (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) المشهور جعل ذلك من باب النسب أي ذات رضا. وجوز أن تكون (راضِيَةٍ) بمعنى المفعول أي مرضية على التجوز في الكلمة نفسها وأن يكون الإسناد مجازيا وهو حقيقة إلى صاحب العيشة. وجوز أن يكون في الكلام استعارة مكنية وتخييلية على ما قرر في كتب المعاني لكن ذكر بعض الأجلّة هاهنا كلاما نفيسا وهو أن ما كان للنسب يؤول بذي كذا فلا يؤنث لأنه لم يجر على موصوف فألحق بالجوامد ونقل عن السيرافي أنه قال : يقدح فيما عللوا به سقوط الهاء في (عِيشَةٍ راضِيَةٍ) وفيه وجهان أحدهما أن تكون بمعنى أنها راضية أهلها فهي ملازمة لهم راضية بهم. والآخر أن تكون الهاء للمبالغة كعلامة ورواية ووجه بأن الهاء لزمت لئلا تسقط الياء فيخل بالبنية كناقة مشلية وكلبة مجرية وهم يقولون ظبية مطفل ومشدان وباب مفعل ومفعال لا يؤنث. وقد ادخلوا الهاء في بعضه كمصكة انتهى ثم قال : إن هذا حقيق بالقبول ومحصله الجواب بوجوه أحدهما أن (راضِيَةٍ) هنا فيه ليس من باب النسب بل هو اسم فاعل أريد به لازم معناه لأن من شاء شيئا ورضي به لازمه فهو مجاز مرسل أو استعارة. ويجوز أن يراد أنه مجاز في الإسناد وما ذكر بيان لمعناه الثاني أن الهاء للمبالغة ولا تختص بفعال ولذا مثل برواية أيضا والثالث أنه يجوز إلحاق الهاء في المعتل لحفظ البنية ومصكة إما شاذا ولتشبيه المضاعف بالمعتل انتهى. فاحفظه فإنه نفيس خلا عنه أكثر الكتب.
(وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) بأن لم يكن له حسنة يعتد بها أو ثقلت سيئاته على حسناته (فَأُمُّهُ) أي فمأواه كما قال ابن زيد وغيره (هاوِيَةٌ) أريد بها النار كما يؤذن به قوله تعالى (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ نارٌ حامِيَةٌ) فإنه تقرير لها بعد إبهامها والإشعار بخروجها عن المعهود للتفخيم والتهويل. وذكر أن إطلاق ذلك عليها لغاية عمقها وبعد مهواها ، فقد روي أن أهل النار تهوي فيها سبعين خريفا وخصها بعضهم بالباب الأسفل من النار وعبر عن المأوى بالأم على التشبيه بها فالأم مفزع الولد ومأواه وفيه تهكم به. وقيل : شبه النار بالأم في أنها تحيط به إحاطة رحم الولد بالأم. وعن قتادة وأبي صالح وعكرمة والكلبي وغيرهم : المعنى فأم رأسه هاوية في قعر جهنم لأنه يطرح فيها منكوسا. وفي رواية أخرى عن قتادة هو من قولهم إذا دعوا على الرجل بالهلكة : هوت أمه لأنه إذا هوى أي سقط وهلك فقد هوت أمه ثكلا وحزنا ومن ذلك قول كعب بن سعد الغنوي :
هوت أمه ما يبعث الصبح غاديا |
|
وما ذا يرد الليل حين يئوب |