بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (٢) كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤) كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (٧) ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)(٨)
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* أَلْهاكُمُ) أي شغلكم وأصل اللهو الغفلة ثم شاع في كل شاغل وخصّه العرف بالشاغل الذي يسر المرء وهو قريب من اللعب ولذا ورد بمعناه كثيرا. وقال الراغب : اللهو ما يشغلك عما يعني ويهم وقيل : وليس بذاك المراد به هنا الغفلة والمعنى جعلكم لاهين غافلين (التَّكاثُرُ) أي التباري في الكثرة والتباهي بها بأن يقول هؤلاء نحن أكثر وهؤلاء نحن أكثر (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) حتى إذا استوعبتم عدد الأحياء صرتم إلى المقابر وانتقلتم إلى ذكر من فيها فتكاثرتم بالأموات فالغاية داخلة في المغيا ، وقد تقدم من سبب النزول ما يوضح ذلك. وعن الكلبي ومقاتل أن بني عبد مناف وبني سهم تفاخروا أيهم أكثر عددا فكثرتهم بنو عبد مناف فقالت بنو سهم : إن البغي أهلكنا في الجاهلية فعادونا بالأحياء والأموات فكثرتهم بنو سهم وزيارة المقابر على ما تقدم على ظاهرها ، وأما على هذا فقد عبّر بها عن بلوغهم ذكر الموتى كناية أو مجازا واستحسن جعله تمثيلا وفي الكشاف عبّر بذلك عما ذكر تهكما بهم ووجه بعض بأنه كأنه قيل أنتم في فعلكم هذا كمن يزور القبور من غير غرض صحيح وبعض آخر بأن زيارة القبور للاتعاظ وتذكر الموت وهم عكسوا فجعلوها سببا للغفلة وهذا أولى. والمعنى ألهاكم ذلك وهو لا يعنيكم ولا يجدي عليكم في دنياكم وآخرتكم عما يعنيكم من أمر الدين الذي هو أهم وأعنى من كل مهم ، وحذف الملهي عنه للتعظيم المأخوذ من الإبهام بالحذف والمبالغة في الذم حيث أشار إلى أن ما يلهي مذموم فضلا عن الملهي عن أمر الدين. وقيل : المراد ألهاكم التكاثر بالأموال والأولاد إلى أن متم وقبرتم منفقين أعماركم في طلب الدنيا والاشتياق إليها والتهالك عليها إلى أن أتاكم الموت لا هم لكم غيرها عما هو أولى بكم من السعي لعاقبتكم والعمل لآخرتكم ، وصدره قد أخرجه ابن المنذر عن ابن عباس وهو وابن أبي حاتم وابن أبي شيبة عن الحسن وزيارة المقابر عليه عبارة عن الموت كما قال الشاعر :
إني رأيت الضمد شيئا نكرا |
|
لن يخلص العام خليل عشرا |
ذاق الضماد أو يزور القبرا |
وقال جرير :
زار القبور أبو مالك |
|
فأصبح ألأم زوارها |
وفي ذلك إشارة إلى تحقق البعث. يحكى أن أعرابيا سمع ذلك فقال : بعث القوم للقيامة ورب الكعبة فإن الزائر منصرف لا مقيم. وعن عمر بن عبد العزيز أنه قال : لا بد لمن زار أن يرجع إلى جنة أو نار وفيه أيضا إشارة إلى قصر زمن اللبث في القبور والتعبير بالماضي لتحقق الوقوع أو لتغليب من مات أولا أو لجعل موت آبائهم بمنزلة موتهم. ومما يقضي منه العجب قول أبي مسلم : إن الله عزوجل يتكلم بهذه السورة يوم القيامة تعييرا للكفار وهم في ذلك الوقت قد تقدمت منهم زيارة القبور. وقيل : هذا تأنيب على الإكثار من