حنيفة رضي الله تعالى عنه في الآية : ما النعيم عندك يا نعمان؟ فقال : القوت من الطعام والماء البارد. فقال أبو عبد الله : لئن أوقفك الله تعالى بين يديه حتى يسألك عن كل أكلة أكلتها أو شربة شربتها ليطولن وقوفك بين يديه. فقال أبو حنيفة : فما النعيم؟ قال : نحن أهل البيت النعيم أنعم الله تعالى بنا على العباد وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين ، وبنا ألف الله تعالى بين قلوبهم وجعلهم إخوانا بعد أن كانوا أعداء وبنا هداهم إلى الإسلام وهو النعمة التي لا تنقطع والله تعالى سائلهم عن حق النعيم الذي أنعم سبحانه به عليهم وهو محمد وعترته عليه وعليهم الصلاة والسلام. وكلا الخبرين لا أرى لهما صحة وفيهما ما ينادي عن عدم صحتهما كما لا يخفى على من ألقى السمع وهو شهيد والحق عموم الخطاب والنعيم بيد أن المؤمن لا يثرب عليه في شيء ناله منه في الدنيا بل يسأل غير مثرب وإنما يثرب على الكافر كما ورد ذلك في حديث رواه الطبراني عن ابن مسعود. ويدل على عموم الخطاب ما أخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وآخرون عن أبي هريرة قال : خرج النبي صلىاللهعليهوسلم ذات يوم فإذا هو بأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فقال : «ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة»؟ قالا : الجوع يا رسول الله ، قال : «والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما فقوموا» فقاموا معه عليه الصلاة والسلام فأتى رجلا من الأنصار فإذا هو ليس في بيته فلما رأته صلىاللهعليهوسلم المرأة قالت : مرحبا. فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أين فلان»؟ قالت : انطلق يستعذب لنا الماء ، إذ جاء الأنصاري فنظر إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وصاحبيه فقال : الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني فانطلق فجاء بعذق فيه بسر وتمر ، فقال : كلوا من هذا وأخذ المدية فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إياك والحلوب» فذبح لهم فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا فلما شبعوا ورووا قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأبي بكر وعمر : «والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة» وفي رواية ابن حبان وابن مردويه عن ابن عباس أن النبي صلىاللهعليهوسلم وصاحبيه انطلقوا إلى منزل أبي أيوب الأنصاري فقالت امرأته : مرحبا بنبيّ الله صلىاللهعليهوسلم ومن معه ، فجاء أبو أيوب فقطع عذقا فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما أردت أن تقطع لنا هذا ألا جنيت من تمره؟» قال : أحببت يا رسول الله أن تأكلوا من تمره وبسره ورطبه. ثم ذبح جديا فشوى نصفه وطبخ نصفه فلما وضع بين يدي النبي صلىاللهعليهوسلم أخذ من الجدي فجعله في رغيف. وقال : «يا أبا أيوب أبلغ هذا فاطمة رضي الله تعالى عنها فإنها لم تصب مثل هذا منذ أيام ، فذهب به أبو أيوب إلى فاطمة رضي الله تعالى عنها فلما أكلوا وشبعوا قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «خبز ولحم وتمر وبسر ورطب» ودمعت عيناه عليه الصلاة والسلام ثم قال «والذي نفسي بيده إن هذا لهو النعيم الذي تسألون عنه قال الله تعالى (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) فهذا النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة» فكبر ذلك على أصحابه فقال عليه الصلاة والسلام : «بلى إذا أصبتم مثل هذا فضربتم بأيديكم فقولوا بسم الله فإذا شبعتم فقولوا الحمد لله الذي أشبعنا وأنعم علينا وأفضل فإن هذا كفاف بذاك» وليس المراد في هذا الخبر حصر النعيم مطلقا فيما ذكر بل حصر النعيم بالنسبة إلى ذلك الوقت الذي كانوا فيه جياعا وكذا فيما يصح من الأخبار التي فيها الاقتصار على شيء أو شيئين أو أكثر فكل ذلك من باب التمثيل ببعض أفراد خصت بالذكر لأمر اقتضاه الحال ، ويؤيد ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في غير رواية عند ذكر شيء من ذلك : «هذا من النعيم الذي تسألون عنه بمن التبعيضية. وفي التفسير الكبير الحق أن السؤال يعم المؤمن والكافر عن جميع النعم سواء كان ما لا بد منه أو لا لأن كل ما يهب الله تعالى يجب أن يكون مصروفا إلى طاعته سبحانه لا إلى معصيته عزوجل فيكون السؤال واقعا عن الكل ويؤكده قوله عليه الصلاة والسلام : «لا تزول قدما العبد حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيم أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن علمه ما ذا عمل به» لأنّ كل نعيم داخل فيما ذكره عليه الصلاة والسلام ، ويشكل