العاص بن وائل ويجوز أن يكون نازلا في جميع من ذكر لكن استشكل نزولها في الأخنس بأنه على ما صححه ابن حجر في الإصابة أسلم وكان من المؤلفة قلوبهم فلا يتأتى الوعيد الآتي في حقه فإما أن لا يصح ذلك أو لا يصح إسلامه. وأيضا استشكلت قراءة الباقر رضي الله تعالى عنه بناء على ما سمعت في معناها وكون الآية نازلة في الوليد بن المغيرة ونحوه من عظماء قريش وبه اندفع ما في التأويلات من أنه كيف عيب الكافر بهذين الفعلين مع أن فيه حالا أقبح منهما وهو الكفر وأما ما أجاب به من أن الكفر غير قبيح لنفسه بخلافهما فلا يخفى ضعفه لأن فوت الاعتقاد الصحيح أقبح من كل شيء قبيح. وقوله تعالى (الَّذِي جَمَعَ مالاً) بدل كل بدل من كل ، وقيل بدل بعض من كل وقال الجاربردي : يجوز أن يكون صفة له لأنه معرفة على ما ذكره الزمخشري في قوله تعالى (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) [ق : ٢١] إذ جعل جملة معها سائق حالا من كل نفس لذلك ولا يخفى ما فيه. ويجوز أن يكون منصوبا أو مرفوعا على الذم وتنكير (مالاً) للتفخيم والتكثير ، وقد كان عند القائلين أنها نزلت في الأخنس أربعة آلاف دينار وقيل عشرة آلاف وجوز أن يكون للتحقير والتقليل باعتبار أنه عند الله تعالى أقل وأحقر شيء. وقرأ الحسن وأبو جعفر وابن عامر والأخوان «جمّع» بشد الميم للتكثير وهو أوفق بقوله تعالى (وَعَدَّدَهُ) أي عده مرة بعد أخرى حبا له وشغفا به. وقيل : جعله أصنافا وأنواعا كعقار ونقود حكاه في التأويلات. وقال غير واحد : أي جعله عدة ومدخرا لنوائب الدهر ومصائبه. وقرأ الحسن والكلبي «وعدده» بالتخفيف فقيل معناه وعده فهو فعل ماض فكّ إدغامه على خلاف القياس كما في قوله :
مهلا أعاذل هل جربت من خلقي |
|
إني أجود لأقوام وإن ضننوا |
وقيل : هو اسم بمعنى العدد المعروف معطوف على (مالَهُ) أي جمع ماله وضبط عدده وأحصاه وليس ذلك على ما في الكشف من باب : علفتها تبنا وماء باردا ، لأن جمع العدد عبارة عن ضبطه وإحصائه فلا يحتاج إلى تكلف. وعلى الوجهين أيّد بالقراءة المذكورة المعنى الأول لقراءة الجمهور. وقيل هو اسم بمعنى الأتباع والأنصار يقال : فلان ذو عدد وعدد إذا كان له عدد وافر من الأنصار وما يصلحهم وهو معطوف على ماله أيضا أي جمع ماله وقومه الذين ينصرونه. (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) جملة حالية أو استئنافية وأخلده وخلده بمعنى أي تركه خالدا أي ماكثا مكثا لا يتناهى أو مكثا طويلا جدا والكلام من باب الاستعارة التمثيلية ، والمراد أن المال طول أمله ومناه الأماني البعيدة فهو يعمل من تشييد البنيان وغرس الأشجار وكري الأنهار ونحو ذلك عمل من يظن أن ماله أبقاه حيا ، والإظهار في مقام الإضمار لزيادة التقرير والتعبير بالماضي للمبالغة في المعنى المراد. وجوز أن يراد أنه حاسب ذلك حقيقة لفرط غروره واشتغاله بالجمع والتكاثر عما أمامه من قوارع الآخرة أو لزعمه أن الحياة والسلامة عن الأمراض والآفات تدور على مراعاة الأسباب الظاهرة ، وأن المال هو المحور لكرتها والملك المطاع في مدينتها. وقيل : المراد أنه يحسب المال من المخلدات ولا نظر فيه إلى أن الخلود دنيوي أو أخروي ذكرا أو عينا إنما النظر في إثبات هذه الخاصة للمال والغرض منه التعريض بأن ثم مخلدا ينبغي للعاقل أن يكب عليه وهو السعي للآخرة وهو بعيد جدا ولذا لم يجعل بعض الأجلّة التعريض وجها مستقلا. وزعم عصام الدين أنه يحتمل أن يكون فاعل أخلد الحاسب ومفعوله المال ، أي يظن أن يحفظ ماله أبدا ولا يعرف أنه معرض للحوادث أو للمفارقة بالموت كما قيل : بشر مال البخيل بحادث أو وارث وهو لعمري مما لا عصام له (كَلَّا) ردع له عن ذلك الحسبان الباطل أو عنه وعن جمع المال وحبه