وعن سيبويه أنه قال في نحو معد وقريش وثقيف هذه للأحياء أكثر أو إن جعلت أسماء للقبائل فجائز حسن ، واللام في (لِإِيلافِ) للتعليل والجار والمجرور متعلق عند الخليل بقوله (فَلْيَعْبُدُوا) والفاء لما في الكلام من معنى الشرط إذ المعنى أن نعم الله تعالى غير محصورة ، فإن لم يعبدوا لسائر نعمه سبحانه فليعبدوا لهذه النعمة الجليلة ، ولما لم تكن في جواب شرط محقق كانت في الحقيقية زائدة فلا يمتنع تقديم معمول ما بعدها عليها. وقوله تعالى (إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) بدل من (إيلاف) قريش و (رِحْلَةَ) مفعول به لإيلافهم على تقدير أن يكون من الألفة ، أما إذا كان من المؤالفة بمعنى المعاهدة فهو منصوب على نزع الخافض أي معاهدتهم على أو لأجل رحلة إلخ. وإطلاق لإيلاف ثم إبدال المقيد منه للتفخيم. وروي عن الأخفش أن الجار متعلق بمضمر أي فعلنا ما فعلنا من إهلاك أصحاب الفيل لإيلاف قريش. وقال الكسائي والفرّاء كذلك إلّا أنهما قدرا الفعل بدلالة السياق أعجبوا كأنه قيل أعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف وتركهم عبادة الله تعالى الذي أعزهم ورزقهم وآمنهم فلذا أمروا بعبادة ربهم المنعم عليهم بالرزق والأمن عقبه وقرن بالفاء التفريعية : وعن الأخفش أيضا أنه متعلق بجعلهم كعصف في السورة قبله والقرآن كله كالسورة الواحدة فلا يضر الفصل بالبسملة خلافا لجمع. والمعنى أهلك سبحانه من قصدهم من الحبشة ولم يسلطهم عليهم ليبقوا على ما كانوا عليه من (إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) أو أهلك عزوجل من قصدهم ليعتبر الناس ولا يجترئ عليهم أحد فيتم لهم الأمن في رحلتهم ، ولا ينافي هذا كون إهلاكهم لكفرهم باستهانة البيت لجواز تعليله بأمرين فإن كلّا منهما ليس علة حقيقية ليمتنع التعدد. وقال غير واحد : إن اللام للعاقبة وكان لقريش رحلتان رحلة في الشتاء إلى اليمن ، ورحلة في الصيف إلى بصرى من أرض الشام كما روي عن ابن عباس ، وكانوا في رحلتيهم آمنين لأنهم أهل حرم الله تعالى وولاة بيته العزيز فلا يتعرض لهم والناس بين متخطف ومنهوب. وعن ابن عباس أيضا أنهم كانوا يرحلون في الصيف إلى الطائف حيث الماء والظل ، ويرحلون في الشتاء إلى مكة للتجارة وسائر أغراضهم وأفردت الرحلة مع أن المراد رحلتا الشتاء والصيف لأمن اللبس وظهور المعنى ونظيره قوله :
حمامة بطن الواديين ترنمي
حيث لم يقل بطني الواديين ؛ وقوله :
كلوا في بعض بطنكم تعفوا |
|
فإن زمانكم زمن خميص |
حيث لم يقل بطونكم بالجمع لذلك. وقول سيبويه إن ذلك لا يجوز إلّا في الضرورة فيه نظر. وقال النقاش : كانت لهم أربع رحل ، وتعقبه ابن عطية بأنه قول مردود. وفي البحر : لا ينبغي أن يرد فإن أصحاب الإيلاف كانوا أربعة إخوة وهم : بنو عبد مناف : هاشم كان يؤالف ملك الشام أخذ منه خيلا فأمن به في تجارته إلى الشام ، وعبد شمس يؤالف إلى الحبشة ، والمطلب إلى اليمن ، ونوفل إلى فارس فكان هؤلاء يسمون المتجرين فيختلف تجر قريش بخيل هؤلاء الإخوة فلا يتعرض لهم. قال الأزهري : الإيلاف شبه الإجارة بالخفارة فإن كان كذلك جاز أن يكون لهم رحل أربع باعتبار هذه الأماكن التي كانت التجارة في خفارة هؤلاء الأربعة فيها فيكون رحلة هنا اسم جنس يصلح للواحد وللأكثر ، وفي هؤلاء الإخوة يقول الشاعر :
يا أيها الرجل المحول رحله |
|
هلا نزلت بآل عبد مناف |
الآخذون العهد من آفاقها |
|
والراحلون لرحلة الإيلاف |
والرائشون وليس يوجد رائش |
|
والقائلون هلم للأضياف |
والخالطون غنيهم بفقيرهم |
|
حتى يصير فقيرهم كالكافي |