يكثر إذا قرأها وركع أن يقول : «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم» ثلاثا. وجوز أن تكون الباء للاستعانة والحمد مضاف إلى الفاعل أي سبحانه بما حمد سبحانه به نفسه. قال ابن رجب : إذ ليس كل تسبيح بمحمود ، فتسبيح المعتزلة يقتضي تعطيل كثير من الصفات وقد كان بشر المريسي يقول : سبحان ربي الأسفل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. والظاهر الملابسة وجوز أن يكون التسبيح مجازا عن التعجب بعلاقة السببية فإن من رأى أمرا عجيبا قال : سبحان الله ، أي فتعجب لتيسير الله تعالى ما لم يخطر ببالك وبال أحد من أن يغلب أحد على أهل الحرم ، وأحمده تعالى على صنعه وهذا التعجب تعجب متأمل شاكر يصح أن يؤمر به وليس الأمر بمعنى الخبر بأن هذه القصة من شأنها أن يتعجب منها كما زعم ابن المنير. والتعليل بأن الأمر في صيغة التعجب ليس أمرا بين السقوط. نعم هذا الوجه ليس بشيء والأخبار دالة على أن ذلك أمر لهصلىاللهعليهوسلم بالاستعداد للتوجه إلى ربه تعالى والاستعداد للقائه بعد ما أكمل دينه وأدى ما عليه من البلاغ. وأيضا ما ذكرناه من الآثار آنفا لا يساعد عليه. وقيل : المراد بالتسبيح الصلاة لاشتمالها عليه ونقله ابن الجوزي عن ابن عباس أي فصل له تعالى حامدا على نعمه. وقد روى صلىاللهعليهوسلم لما دخل مكة صلى في بيت أم هانئ ثمان ركعات ، وزعم بعضهم أنه صلاها داخل الكعبة وليس بالصحيح. وأيّا ما كان فهي صلاة الفتح وهي سنّة وقد صلاها سعد يوم فتح المدائن وقيل : الضحى ، وقيل أربع منها للفتح وأربع للضحى وعلى كل ليس فيها دليل على أن المراد بالتسبيح الصلاة والأخبار أيضا تساعد على خلافه واستغفاره صلىاللهعليهوسلم قيل لأنه كان دائما في الترقي فإذا ترقى إلى مرتبة استغفر لما قبلها. وقيل مما هو في نظره الشريف خلاف الأولى بمنصبه المنيف. وقيل : عما كان من سهو ولو قيل النبوة وقيل لتعليم أمته صلىاللهعليهوسلم ، وقيل هو استغفار لأمته عليه الصلاة والسلام أي واستغفره لأمتك وجوز بعضهم كون الخطاب في (رَأَيْتَ) عاما وقال : هاهنا يجوز حينئذ أن يكون الأمر بالاستغفار لمن سواه عليه الصلاة والسلام وإدخاله صلىاللهعليهوسلم في الأمر تغليب وهذا خلاف الظاهر جدا ، وأنت تعلم أن كل أحد مقصر عن القيام بحقوق الله تعالى كما ينبغي وأدائها على الوجه اللائق بجلاله جل جلاله وعظمته سبحانه وإنما يؤديها على قدر ما يعرف ، والعارف يعرف أن قدر الله عزوجل أعلى وأجلّ من ذلك فهو يستحي من عمله ويرى أنه مقصر ، وكلما كان الشخص بالله تعالى أعرف كان له سبحانه أخوف وبرؤية تقصيره أبصر وقد كان كهمس يصلي كل يوم ألف ركعة ، فإذا صلى أخذ بلحيته ثم يقول لنفسه : قومي يا مأوى كل سوء فو الله ما رضيتك لله عزوجل طرفة عين. وعن مالك بن دينار : لقد هممت أن أوصي إذا متّ أن ينطلق بي كما ينطلق بالعبد الآبق إلى سيده فإذا سألني قلت : يا رب إني لم أرض لك نفسي طرفة عين فيمكن أن يكون استغفاره عليه الصلاة والسلام لما يعرف من عظيم جلال الله تعالى وعظمته سبحانه فيرى أن عبادته وإن كانت أجل من عبادة جميع العابدين دون ما يليق بذلك الجلال وتلك العظمة التي هي وراء ما يخطر بالبال فيستحيي ويهرع إلى الاستغفار. وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام كان يستغفر الله في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة ، وللإشارة إلى قصور العابد عن الإتيان بما يليق بجلال المعبود وأن بذل المجهود شرع الاستغفار بعد كثير من الطاعات فذكروا أنه يشرع لمصلي المكتوبة أن يستغفر عقبها ثلاثا وللمتهجد في الأسحار أن يستغفر ما شاء الله تعالى ، وللحاج أن يستغفر بعد الحج فقد قال تعالى (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة : ١٩٩] وروي أنه يشرع لختم الوضوء ، وقالوا : يشرع لختم كل مجلس وقد كان صلىاللهعليهوسلم يقول إذا قام من المجلس : «سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك» ففي الأمر بالاستغفار رمز من هذا الوجه على ما قيل إلى ما فهم من النعي ، والمشهور أن ذلك للدلالة على مشارفة تمام أمر الدعوة وتكامل أمر الدين والكلام وإن كان مشتملا على التعليق وتقديم التسبيح ثم الحمد على الاستغفار قيل على طريقة النزول من الخالق إلى الخلق كما قيل : ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله تعالى قبله