ما ذا أردت إلى شتمي ومنقصتي |
|
أم ما تعير من حمالة الحطب |
غراء شادخة في المجد غرتها |
|
كانت سليلة شيخ ثاقب الحسب |
وقد أغضبها ذلك ، فيروى أنها لما سمعت السورة أتت أبا بكر رضي الله تعالى عنه وهو مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في المسجد وبيدها فهر ، فقالت : بلغني أن صاحبك هجاني ولأفعلن وأفعلن وإن كان شاعرا فأنا مثله أقول:
مذمما أبينا |
|
ودينه قلينا |
وأمره عصينا |
وأعمى الله تعالى بصرها عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فروي أن أبا بكر قال لها : هل ترين معي أحدا؟ فقالت : أتهزأ بي لا أرى غيرك. فسكت أبو بكر ومضت وهي تقول : قريش تعلم أني بنت سيدها. فقال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : «لقد حجبني عنها ملائكة فما رأتني وكفى الله تعالى شرها». وقيل : إن ذلك ترشيح للمجاز بناء على اعتباره في حمالة الحطب. وفي الكشاف يحتمل أن يكون المعنى تكون في نار جهنم على الصورة التي كانت عليها حين كانت تحمل حزمة الشوك فلا تزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجرة الزقوم أو من الضريع وفي جيدها حبل مما مسد من سلاسل النار كما يعذب كل مجرم بما يجانس حاله في جرمه ، وعليه فالحبل مستعار للسلسلة وروي هذا عن عروة بن الزبير ومجاهد وسفيان. وأمر الاعراب على ما في الكشف أنه إن نصب (حَمَّالَةَ) يكون حالا هو والجملة أعني (فِي جِيدِها حَبْلٌ) عن المعطوف على الضمير (سَيَصْلى) أي ستصلى امرأته على هذه الحالة أو يكون (حَمَّالَةَ) نصبا على الذم والجملة وحدها حالا أو امرأته في جيدها حبل جملة وقعت حالا عن الضمير ، ويحتمل عطف الجملة على الجملة على ضعف. وعلى الرفع يحتمل أن تكون الجملة حالا وأن يكون (امْرَأَتُهُ) عطفا على الفاعل ، و (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِها) جملة لا محل لها من الإعراب وقعت بيانا لكيفية صليها ، أي هي حمالة الحطب انتهى فتأمل ولا تغفل. وعلى جميع الأوجه والاحتمالات إنما لم يقل سبحانه في عنقها والمعروف أن يذكر العنق مع الغل ونحوه مما فيه امتهان كما قال تعالى (فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) [يس : ٨] والجيد مع الحلي كقوله :
أو أحسن من جيد المليحة حليها
ولو قال عنقها كان غثا من الكلام. قال في الروض الآنف : لأنه تهكم نحو (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [آل عمران : ٢١ ، التوبة : ٣٤ ، الانشقاق : ٢٤] أي لا جيد لها فيحلى ، ولو كان لكانت حليته هذه. ولتحقيرها قيل (امْرَأَتُهُ) ولم يقل زوجه انتهى. وهو بديع جدا إلّا أنه يعكر على آخره قوله تعالى (وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ) [هود : ٧١] ولعله استعان هاهنا على ما قال بالمقام. وعن قتادة أنه كان في جيدها قلادة من ودع وفي معناه قول الحسن من خرز. وقال ابن المسيب : كانت قلادة فاخرة من جوهر وأنها قالت : واللات والعزّى لأنفقنها على عداوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، ولعل المراد على هذا أنها تكون في نار جهنم ذات قلادة من حديد ممسود بدل قلادتها التي كانت تقول فيها لأنفقنها إلخ. وعلى ما قبله تهجين أمر قلادتها لتأكيد ذمها بالبخل الدال عليه قوله تعالى : (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) على ما نقلناه سابقا عن قتادة ويحتمل غير ذلك ، ووجه التعبير بالجيد على ما ذكر مما لا يخفى. وزعم بعضهم أن الكلام يحتمل أن يكون دعاء عليها بالخنق بالحبل وهو من الذهن مناط الثريا. نعم ذكر أنها ماتت يوم ماتت مخنوقة بحبل حملت به حزمة حطب لكن هذا لا يستدعي حمل ما ذكر على الدعاء هذا. واستشكل أمر تكليف أبي لهب بالإيمان مع قوله تعالى (سَيَصْلى) إلخ بأنه بعد أن أخبر الله تعالى عنه