مفعولية التعقل في الأقنوم الثاني الذي هو صورة عقل الأب ، ثالثتها فاعلية الانبثاق في الأقنوم الأول والثاني اللذين لهما الإرادة ، رابعتها مفعولية هذا الانبثاق في الأقنوم الثالث الذي هو حب الإرادة الإلهية التي للأقنوم الأول والثاني وزعموا أن التعبير بالفاعلية والمفعولية في الأقانيم الإلهية على سبيل التوسع وليست الفاعلية في الأب نحو الابن إلّا الأبوة وفيه وفي الابن نحو روح القدس ليست إلّا بدء صدوره منهما وليست المفعولية في الابن وروح القدس إلّا البنوة في الابن والانبثاق في الروح ويقولون كل ذلك مما يجب الإيمان به وإن كان فوق الطور البشري ، ويزعمون أن لتلك الأقانيم أسماء تلقوها من الحواريين فالأقنوم الأول في الطبع الإلهي يدعى أبا ، والثاني ابنا وكلمة وحكمة ونورا وضياء وشعاعا ، والثالث روح القدس ومغريا وهو معنى قولهم باليونانية أراكليط. وقالوا في بيان وجه الإطلاق : إن ذلك لأن الأقنوم الأول بمنزلة ينبوع ومبدأ أعطى الأقنوم الثاني الصادر عنه بفعل يقتضي شبه فاعله وهو فعل العقل طبيعته وجوهره كله حتى أن الأقنوم الثاني الذي هو صورة الأول الجوهرية الإلهية مساو له كمال المساواة وحد الإيلاد هو صدور حي من حي بآلة ومبدأ مقارن يقتضي شبه طبيعته وهنا كذلك بل أبلغ لأن للثاني الطبيعة الإلهية نفسها فلا بدع إذا سمي الأول أبا والثاني ابنا ، وإنما قيل للثاني كلمة لأن الإيلاد ليس على نحو إيلاد الحيوان والنبات بل يفعل العقل أي يتصور الأب لا هوته وفهمه ذاته ولا شك أن تلك الصورة كلمة لأنها مفهومية العقل ونطقه ، وقيل لها حكمة لأنه كان مولودا من الأب بفعل عقله الإلهي الذي هو حكمة ، وقيل له نور وشعاع وضياء لأنه حيث كان حكمة كان به معرفة حقائق الأشياء وانكشافها كالمذكورات ، وقيل للثالث روح قدس لأنه صادر من الأب والابن بفعل الإرادة التي هي واحدة للأب والابن ، ومنبثق منهما بفعل هو كهيجان الإرادة بالحب نحو محبوبها فهو حب الله والله نفسه هو الروح الصرف والتقدس عينه ، ولكل من الأول والثاني وجه لأن يدعى روحا لمكان الاتحاد لكن لما دعي الأول باسم يدل على رتبته وإضافته إلى الثاني والثاني كذلك اختص الثالث بالاسم المشاع ولم يدع ابنا وإن كان له طبيعة الأب وجوهره كالابن لأنه لم يصدر من الأب بفعل يقتضي شبه فاعله ، يعني بفعل العقل ، بل صدر منه فعل الإرادة فالثاني من الأول كهابيل من آدم ، والثالث كحواء منه والكل حقيقة واحدة لكن يقال لهابيل ابن ولا يقال لها بنت ، وقيل له مغزى لأنه كان عتيدا لأن يأتي الحواريين فيغريهم لفقد المسيح عليهالسلام وأما الفاعلية والمفعولية فلأنهما غير موجودين حقيقة والأبوة والنبوة هاهنا لا تقتضيهما كما في المحدثات ولذا لا يقال هنا للأب علة وسبب لابنه وإن قيل هناك فالثلاثة متساوية في الجوهر والذات واستحقاق العبادة والفضل من كل وجه. ثم إنهم زعموا تجسد الأقنوم الثاني وهو الكلمة واتحاده بأشرف أجزاء البتول من الدم بقوة روح القدس فكان المسيح عليهالسلام المركب من الناسوت والكلمة ، والكلمة مع اتحادها لم تخرج عن بساطتها ولم تتغير لأنها الحد الذي ينتهي إليه الاتحاد فلا مانع في جهتها من الاتحاد وكذا لا مانع في جانب الناسوت فلا يتعاصى الله تعالى شيء. زعموا أن المسيح عليهالسلام كان إلها تاما وإنسانا تاما ذا طبيعتين ومشيئتين قائمتين بأقنوم إلهي وهو أقنوم الكلمة ومن ثم تحمل عليه الصفات الإلهية والبشرية معا لكن من حيثيتين ، ثم إنهم زادوا في الطنبور رنة وقالوا : إن المسيح أطعم يوما الحواريين خبزا وسقاهم خمرا فقال : أكلتم لحمي وشربتم دمي فاتحدتم معي وأنا متحد مع الأب. إلى رنات أخر هي أشهر من أن تذكر. ويعلم مما ذكرنا أنه لا فرق عندهم بين أن يقال إن الله تعالى هو المسيح وبين أن يقال إن المسيح ابنه وبين أن يقال إنه سبحانه ثالث ثلاثة ولذا جاء في التنزيل كل من هذه الأقوال منسوبا إليهم ولا حاجة إلى جعل كل قول لقوم منهم كما قال غير واحد من المفسرين والمتكلمين ، ثم لا يخفى منافاة ما ذكروه للأحدية والصمدية