معلوما لهم باعتبار سماعهم إياه من النبي صلىاللهعليهوسلم وقيل من ابتدائية والمعنى أنهم مخلوقون من نطفة قذرة لا تناسب عالم القدس فمتى لم تستكمل بالإيمان والطاعة ولم تتخلق بأخلاق الملائكة عليهمالسلام لم تستعد لدخولها وكلا القولين كما ترى وقال مفتي الديار الرومية إن الأقرب كونه كلاما مستأنفا قد سيق تمهيدا لما بعده من بيان قدرته عزوجل على أن يهلكهم لكفرهم بالبعث والجزاء واستهزائهم برسول الله صلىاللهعليهوسلم وبما نزل عليه عليه الصلاة والسلام من الوحي وادعائهم دخول الجنة بطريق السخرية وينشئ بدلهم قوما آخرين فإن قدرته سبحانه على ما يعلمون من النشأة الأولى حجة بينة على قدرته عزوجل على ذلك كما يفصح عنه الفاء الفصيحة في قوله تعالى (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) أي إذا كان الأمر كما ذكرنا من أن خلقهم مما يعلمون وهو النطفة القذرة فلا أقسم برب المشارق والمغارب (إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ) أي نهلكهم بالمرة حسبما تقتضيه جناياتهم ونأتي بدلهم بخلق آخرين ليسوا على صفتهم (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) أي بمغلوبين إن أردنا ذلك لكن مشيئتنا المبينة على الحكم البالغة اقتضت تأخير عقوباتهم وفيه نوع بعد ولعل الأقرب كونه في معنى التعليل لكن على وجه قرر به صاحب الكشف كلام الكشاف فقال أراد أنه ردع عن الطمع معلل بإنكارهم البعث من حيث إن ذكر دليله إنما يكون مع المنكر فأقيم علة العلة مقام العلة مبالغة لما حكي عنهم طمع دخول الجنة. ومن البديهي أنه ينافي حال من لا يثبتها فكأنه قيل إنه ينكر البعث فأنّى يتجه طمعه واحتج عليهم بخلقهم أولا وبقدرته سبحانه على خلق مثلهم ثانيا وفيه تهكم بهم وتنبيه على مكان مناقضتهم فإن الاستهزاء بالساعة والطمع في دخول الجنة مما يتنافيان ووجه أقربيته قوة الارتباط كبما سبق عليه وهو في الحقيقة أبعد مغزى ومنه يعلم أن ما قيل في قوله سبحانه (إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ) إلخ أن معناه (إِنَّا لَقادِرُونَ) على أن نعطي محمدا صلىاللهعليهوسلم من هو خير منهم وهم الأنصار ليس بذاك وفي التعبير عن مادة خلقهم بما يعلمون مما يكسر سورة المتكبرين ما لا يخفى والمراد بالمشارق والمغارب مشارق الشمس المائة والثمانون ومغاربها كذلك أو مشارق ومغارب الشمس والقمر على ما روي عن عكرمة أو مشارق الكواكب ومغاربها مطلقا كما قيل وذهب بعضهم إلى أن المراد رب المخلوقات بأسرها والكلام في (فَلا أُقْسِمُ) قد تقدم وقرأ قوم «فلا قسم» بلاء دون ألف وعبد الله بن مسلم وابن محيصن والجحدري «المشرق والمغرب» مفردين (فَذَرْهُمْ) فخلّهم غير مكترث بهم (يَخُوضُوا) في باطلهم الذي من جملته ما حكي عنهم (وَيَلْعَبُوا) في دنياهم (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) هو يوم البعث عند النفخة الثانية لقوله سبحانه (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) أي القبور فإنه بدل من (يَوْمَهُمُ) وهو مفعول به ليلاقوا ، وتفسيره بيوم موتهم أو يوم بدر أو يوم النفخة الأولى وجعل (يَوْمَ) مفعولا به لمحذوف كاذكر أو متعلقا ب (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) مما لا ينبغي أن يذهب إليه وما في الآية من معنى المهادنة منسوخ بآية السيف. وقرأ أبو جعفر وابن محيصن «يلقوا» مضارع لقي وروى أبو بكر عن عاصم أنه قرأ «يخرجون» على البناء للمفعول من الإخراج (سِراعاً) أي مسرعين وهو حال من مرفوع (يَخْرُجُونَ) وهو جمع سريع كظريف وظراف (كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ) وهو ما نصب فعبد من دون الله عزوجل وعده غير واحد مفردا وأنشد قول الأعشى :
وذا النصب المنصوب لا تنسكنه |
|
لعاقبة والله ربك فاعبدا |
وقال بعضهم : هو جمع نصاب ككتاب وكتب وقال الأخفش جمع نصب كرهن ورهن والأنصاب جمع الجمع. وقرأ الجمهور «نصب» بفتح النون وسكون الصاد وهو اسم مفرد فقيل الصنم المنصوب للعبادة أو العلم المنصوب على الطريق ليهتدي به السالك. وقال أبو عمرو : هو شبكة يقع فيها الصيد فيسارع إليها