البعض المراد قطعا على تقدير البيان البعض العام الشامل لما في ضمن الكل لا البعض المجرد المراد هاهنا. فبالتعليل على الوجه المذكور لا يتم التقريب بل لا انطباق بين التعليل والمعلل على ما قيل. وصوب العلامة التفتازاني حيث قال : علقه على التلويح مستدلا على أن البعضية التي تدل عليها من التبعيضية هي البعضية المجردة المنافية للكلية لا البعضية التي هي أعم من أن تكون في ضمن الكل أو بدونه لاتفاق النحاة على ذلك حيث احتاجوا إلى التوفيق بين قوله تعالى (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) وقوله تعالى (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) فقالوا لا يبعد أن يغفر سبحانه الذنوب لقوم وبعضها لآخرين أو خطاب البعض لقوم نوح عليهالسلام وخطاب الكل لهذه الأمة ، ولم يذهب أحد إلى أن التبعيض لا ينافي الكلية ولم يصوب الشريف في رده عليه قائلا وفيه بحث إذ الرضي صرح بعدم المنافاة بينهما حيث قال : ولو كان أيضا خطابا لأمة واحدة فغفران بعض الذنوب لا يناقض غفران كلها بل عدم غفران بعضها يناقض غفران كلها لأن قول الرضي غير مرتضى لما عرفت من أن مدلول التبعيضية البعضية المجردة. واعترض قول النحاة أو خطاب البعض لقوم نوح عليهالسلام وخطاب الكل لهذه الأمة بأن الإخبار عن مغفرة البعض ورد في مواضع منها قوله تعالى في سورة [إبراهيم : ١٠] (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) ومنها في سورة [الأحقاف : ٣١] (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) ومنها ما هنا وهو الذي ورد في قوم نوح عليهالسلام ، وأما ما ذكر في الأحقاف فقد ورد في الجن ، وما ورد في إبراهيم فقد ورد في قوم نوح وعاد وثمود على ما أفصح به السياق فكيف يصح ما ذكروه. وقيل جيء بمن في خطاب الكفرة دون المؤمنين في جميع القرآن تفرقة بين الخطابين ووجه بأن المغفرة حيث جاءت في خطاب الكفار مرتبة على الإيمان وحيث جاءت في خطاب المؤمنين مشفوعة بالطاعة والتجنب عن المعاصي ونحو ذلك ، فيتناول الخروج عن المظالم واعترض بأن التفرقة المذكورة إنما تتم لو لم يجىء الخطاب للكفرة على العموم وقد جاء كذلك كما في سورة [الأنفال : ٣٨] (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) وقد أسلفنا ما يتعلق بهذا المقام أيضا فتذكر وتأمل (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) هو الأمد الأقصى الذي قدره الله تعالى بشرط الإيمان والطاعة وراء ما قدره عزوجل لهم على تقدير بقائهم على الكفر والعصيان فإن وصف الأجل بالمسمى وتعليق تأخيرهم إليه بالإيمان والطاعة صريح في أن لهم أجلا آخر لا يجاوزونه إن لم يؤمنوا وهو المراد بقوله تعالى (إِنَّ أَجَلَ اللهِ) أي ما قدره عزوجل لكم على تقدير بقائكم على ما أنتم عليه (إِذا جاءَ) وأنتم على ما أنتم (لا يُؤَخَّرُ) فبادروا إلى الإيمان والطاعة قبل مجيئه حتى لا يتحقق شرطه الذي هو بقاؤكم على الكفر والعصيان فلا يجيء ويتحقق شرط التأخير إلى الأجل المسمى فتؤخروا إليه ، وجوز أن يراد به وقت إتيان العذاب المذكور في قوله سبحانه (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) فإنه أجل مؤقت له حتما وأيّا ما كان لا تناقض بين (يُؤَخِّرْكُمْ) و (إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ) كما يتوهم وقال الزمخشري في ذلك ما حاصله أن الأجل أجلان وأجل الله حكمه حكم المعهود والمراد منه الأجل المسمى الذي هو آخر الآجال ، والجملة عنده تعليل لما فهم من تعليقه سبحانه التأخير بالأجل المسمى وهو عدم تجاوز التأخير عنه ، والأول هو المعول عليه فإن الظاهر أن الجملة تعليل للأمر بالعبادة المستتبعة للمغفرة والتأخير إلى الأجل المسمى فلا بد أن يكون المنفي عند مجيء الأجل هو التأخير الموعود فكيف يتصور أن يكون ما فرض مجيئه هو الأجل المسمى الذي هو آخر الآجال (لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي لو كنتم من أهل العلم لسارعتم لما آمركم به لكنكم لستم من أهله في شيء فلذا لم تسارعوا فجواب (لَوْ) مما يتعلق بأول الكلام ويجوز أن يكون مما يتعلق بآخره أي لو كنتم من أهل العلم لعلمتم ذلك أي عدم تأخير الأجل إذا