أولى بالحق ومن رد عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين ، وهذه وصيتي يا أخي إليك وما توفيقي إلّا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ، ثم طوى الكتاب وختمه بخاتمه ثم دفعه إلى أخيه محمد ثم ودعه وخرج من المدينة ، وأقبلت نساء بني عبد المطلب فاجتمعن للنياحة لما بلغهن أن الحسين عليهالسلام يريد الشخوص من المدينة حتى مشى فيهن الحسين عليهالسلام فقال : أنشدكنّ الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ولرسوله ، قالت له نساء بني عبد المطّلب ، فلمن نستبقي النياحة والبكاء فهو عندنا كيوم مات فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلي وفاطمة والحسن ورقية وزينب وأم كلثوم ، جعلنا الله فداك من الموت يا حبيب الأبرار من أهل القبور.
وخرج عليهالسلام من المدينة في جوف الليل وهو يقرأ : (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (١) ، ولزم الطريق الأعظم ، فقال له أهل بيته : لو تنكبت الطريق الأعظم كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب ، فقال : لا والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض ، فلقيه عبد الله بن مطيع فقال له : جعلت فداك اين تريد؟ قال : أما الآن فمكة وأما بعد فاني استخير الله ، قال : خار الله لك وجعلنا فداك فاذا اتيت مكة فاياك ان تقرب الكوفة فانها بلدة مشؤومة بها قتل أبوك وخذل أخوك واغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه ، الزم الحرم فانت سيد العرب لا يعدل بك أهل الحجاز أحدا ويتداعى إليك الناس من كل جانب ، لا تفارق الحرم فداك عمي وخالي ، فو الله لئن هلكت لنسترقن بعدك. وكان دخوله عليهالسلام الى مكة يوم (ليلة خ ل) الجمعة لثلاث مضين من شعبان ، فيكون مقامه في الطريق نحوا من خمسة أيام لأنه خرج من المدينة لليلتين بقيتا من رجب كما مر ، ودخلها وهو يقرأ : (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ)(٢)
__________________
(١) سورة القصص ، الآية : ٢١.
(٢) سورة القصص ، الآية : ٢٢.